استحقاقات العام 2024 كبيرة وكثيرة… فالملفات العالقة على حبال الأزمة من دون أفق للحل وفي منأى عن مبادرات المعالجة، عديدة ومتشعّبة. وليس أبرزها الأزمة المصرفية التي تترقب منذ أربع سنوات إلى اليوم، ومن دون جدوى، حلولاً أو حتى مشاريع حلول تُعيد المصارف إلى الساحة الاقتصادية بفعالية وإنتاجية لطالما تميّزت بهما
فمحطات العام 2023 لم ولا تبشّر بأمل قريب في تحقيق المُراد… إذ تفتقد البلاد إلى رئيس للجمهورية وإلى حكومة فاعلة، وأمنها تحت رحمة تطورات الجنوب وما تحمله من قلق وخوف من توسّع رقعة العدوان الإسرائيلي.. ناهيك عن تخبّط في وضع الخطط الإنقاذية للوضع الاقتصادي الشامل!
في ضوء كل ذلك، هل تحمل سنة 2024 انفراجاً على صعيد استرجاع الودائع من جهة، واستعادة المصارف نشاطها الطبيعي من جهة أخرى.. وكل الملفات التي تحوطهما؟
الكاتب والخبير الاقتصادي الأستاذ أنطوان فرح ينطلق في معرض تحليله للاستحقاقات المرتقبة في 2024، من أن “القطاع المصرفي قد يكون من القطاعات الخاصة القليلة جداً التي لم يُسمَح لها بأن تعود وتتأقلم مع الوضع وتُعيد نشاطها إلى وتيرته الطبيعيّة. إذ إن غالبية القطاعات الإنتاجية والسياحية والتجارية أُتيحت لها الفرص لتحقيق ذلك وأمّنت العودة إلى العمل شبه الطبيعي كما كانت عليه قبل مرحلة الانهيار”
ويقول لـ”المركزية”: لقد بقيت المصارف مستثناة من هذه الفرص وفي منأى عن أي عودة إلى النشاط الطبيعي، وذلك يعود إلى ترابط أزمة المصارف مع الدولة اللبنانية، وبالتالي أصبح مصير الوضع المصرفي مرتبطاً بما تقرّره الدولة اللبنانية التي لم تُقدِم منذ أربع سنوات وحتى اليوم، على أي قرار أو إجراء يمكن أن يُعيد تحريك القطاع المصرفي وعودته إلى طبيعته، وعلى رأس هذه الإجراءات الخطة الإنقاذية الشاملة.ويتابع: منذ بداية الأزمة كانت هناك مطالبة بإجراءات محددة تتخذها الدول عادةً عندما تواجه مشكلة انهيار من هذا النوع، بدءاً من الـ”كابيتال كونترول”، مروراً بإعادة تقييم المصارف، وصولاً إلى إعادة الانتظام إلى العمل المصرفي… هناك إجراءات عديدة كان من المفترض أن تتخذها الدولة في هذا الشأن
أما اليوم، يُضيف فرح “لم يَعُد مسموحاً التفكير في إجراءات فرديّة، وأصبح المطلوب اتخاذ إجراء شامل أو إطلاق الخطة الإنقاذية الشاملة التي تتضمّن قانون الـ”كابيتال كونترول” وإعادة الانتظام إلى العمل المصرفي وكيفية توزيع الخسائر وحل مشكلة الودائع وغيرها. وبالتالي المطلوب من الدولة أن تُفرِج عن خطة شاملة وعلى رأسها إدراج البند المتعلق بكيفية تعاطي الدولة مع موضوع الديون، فمن المعلوم أن في ذمّة الدولة ديوناً للقطاع الخاص، ومستحقات سندات الـ”يوروبوندز” بالدولار الأميركي، ومطلوبات هي بمثابة ديون لإعادة رسملة مصرف لبنان تطبيقاً للمادة 113 في قانون النقد والتسليف والتي تُلزم الدولة اللبنانية بإعادة رسملة مصرف لبنان”
ويقول: هذه هي النقطة الأساسية في الوقت الراهن، باعتبار أن ما تقرّره الدولة في موضوع الديون المستحقة في ذمّتها، قد ينسحب لاحقاً على ملف الودائع وبالتالي على قدرة المصارف على إعادتها إلى أصحابها
ويوضح “بما أن حل مشكلة الودائع والديون ستستغرق وقتاً طويلاً، أصبح المطلوب الآن أن يكون هذا الحل منفصلاً عن القطاع المصرفي، أي أن الودائع ستكون بمثابة مطلوبات على الدولة اللبنانية أن تقرّر ضمن الخطة الإنقاذية، إنشاء مؤسسة منفصلة تهتم بملف الديون وتُعيد الودائع، على أن تكون المصارف قد استعادت عملها الطبيعي وأعادت تحريك الدورة الاقتصادية في البلاد، والتي لا يمكن ذلك إطلاقاً من دون المصارف، وأبرز نموذج لذلك المداخيل الكبرى من الخارج والتي قدّرها تقرير البنك الدولي بـ27% من الناتج المحلي، وهي بالتأكيد تفوق هذا المعدل لوجود الأموال النقدية التي لا يُصرَّح عنها… كل هذه الأموال لا تدخل في الدورة الاقتصادية لإنعاش الاقتصاد، بسبب غياب القطاع المصرفي…”، ويؤكد أنم “عندما تستعيد المصارف عملها الطبيعي قد تستعيد العجلة الاقتصادية دورانها الطبيعي”
في كل الحالات، ويخلص فرح إلى القول: في العام 2024 أصبحت الأولوية الرئيسية وشبه الوحيدة تكمن في الإفراج عن خطة شاملة للتعافي الاقتصادي تسمح للقطاع المصرفي بالعودة إلى العمل الطبيعي، وأن تكون الخطوة الأساسية لإعادة العمل الطبيعي إلى كل الدورة الاقتصادية في البلاد