كتب صائب بارودي
يسود الإعتقاد لدى الكثيرين أن أحدهم حين يكتب مقالاً أو بحثاً أو تحليلاً فإنه يعبر عن رأيه أو وجهة نظره أو موقفه، ويغيب عن أذهانهم وربما الكاتب نفسه أنه يدلي بشهادة أمام التاريخ والضمير والرأي العام (القارئ) عن حقيقة المشهد والحدث الذي يكتب عنه أو يحلل مدلولاته وظواهره. فإما تكون شهادة حق صادقة تحظى بالقبول والرضى والإعجاب والتقدير ويستحق الشاهد (الكاتب)الثناء والتقدير ، وإما تكون شهادة زور تلقى الإستياء والرفض والطعن فيطاله القدح والذم والتشهير.والرأي العام (القراء)هو القاضي الذي يحكم بصدق الشهادة وبالتالي قبول ما ورد فيها أو يحكم بزيفها وزورها وبالتالي رفض وردّ ما ذكر فيها.
فالكلمة مسؤولية جسيمة يُقدِمُ كاتبها أو قائلها طواعية على تحمّلها، وهي أمانة ارتضى بإرادته أن تكون حملاً ثقيلا ً في عنقه يؤديها أمام الرأي العام الذي سيتلقاها ويبني موقفه على مقتضاها. فالكلمة إمّا تسلط الضوء على المشهد والحدث بكل تفاصيله وخفاياه ينبّه عقل القارئ إلى الحقائق،وإما تشوه المشهد والحدث وتحرّف تفاصيله وتزيّف خفاياه فيقع في شرك التضليل.
وبناءً عليه فإن المقال أو التحليل الذي يتناول حدثاً وطنياً أو عربياً خاصة في الظروف المصيرية الصعبة والحرجة فيكشف الحقائق بكل شفافية وموضوعية مهما كانت صادمة ليكون عامل تهدئة واستقرار،أو يزوّرها وفق ميول وأهواء كاتبه ليكون عنصر إثارة وفتنة؟!
ومن هذا المنطلق يرى بعض المراقبين أن غالبية التحليلات والمقالات تفتقد للمصداقية رغم أن كاتبها يسعى لإثباتها باختلاق مصادر وهمية كذكرت مصادر مطلعة،وذكر مصدر سياسي،وأفادت معلومات وأكد شهود عيان ،وأوردت وسائل إعلامية،وذكرت جهات دبلوماسية،أو جهات أمنية،وقال مصدر مسؤول رفض أن يكشف عن إسمه،وما إلى ذلك من مصادر وهمية يستدل بها البعض للتأكيد على صحة رأيه وموقفه وصدق معلوماته بينما هي في الواقع من بنات أفكاره.
وقد يرفض المصدر الكشف عن شخصيته لكون المعلومات التي أوعز بنشرها مغلوطة أو مريبة تهدف إلى إثارة البلبلة أو الترويج لسيناريو تمهيدًا لحدثٍ ما يحدث إرباكاً أو فتنة بين أوساط الرأي العام.ويتم تبادل الخدمات بين الطرفين؟!
لذا،وتجنبًا لتضليل القارئ وصوناً لحقه في حرية القراءة والإطلاع يأمل منه أن يتحلى بالنضوج الفكري والوعي لكل ما يقرأه ويتابعه،والتعمق في فهم ما بين السطور وخلفياتها وذلك بالإعتماد على السياقات التاريخية في تفسير أحداث الحاضر وقضاياه الكبرى لاستشراف المستقبل،كما ينبغي تفكيك القضايا والأزمات الكبرى إلى عناصر وتفاصيل أصغر لفهمها ثم إعادة جمعها وتركيبها بما يتناسب مع الحقائق الجديدة.
وعلى العموم وبمعزل عن صحة ما ورد في أي تحليل ومقال أو عدم صحته يبقى كالخبر يحتمل الصدق والكذب.
وقديمًا قيل:” لا تصدق ما تسمعه أذناك بل صدّق نصف ما تراه عيناك،واترك الباقي للعقل”.
لذا، ولأجل تحقيق رأي عام واعٍ وناضجٍ محصّن ضد الاستخفاف والاستغباء،يجب إعادة صياغة العقل العربي وتحديث الفكر السياسي.