كتب صائب بارودي
في الآونة الأخيرة طرحت تساؤلات كثيرة حول حرب غزة وما بعدها، وعن الإتصالات والمفاوضات الجارية حولها، ماذا بعد حرب غزة؟، وماذا في اليوم الذي يليها؟، وما هي المتغيرات الهامة التي ستحدث في أعقابها؟، وأي صفقة تسوية يتم التباحث حولها وتحقيقها حين تبلغ مرحلة النضوج وتتلاءم مع الظروف؟..
تساؤلات كثيرة حول هذا الحدث الزلزال الذي أصاب المنطقة ذات مغامرة؟!..
حوّلت قطاع غزة إلى مدن ومبانٍ مدمّرة وعشرات الآلاف من الشهداء والمصابين تراكمت في شوارعها ومئات الآلاف من سكانها مهجّرة؟!
هذه التساؤلات تجد إجاباتها في قراءة السياق التاريخيّ لأزمة المنطقة والأمة دون الاستدلال بأي بحث أو تحليل. فما يحدث هو فصل من فصول سيناريو كتب للأمة منذ سنوات وتنفّذ تفاصيله خطوة خطوة، وهو ما سنتطرق إليه في وقت لاحق.
أما السؤال الأهم الذي لم يبادر أو يجرؤ أحد على طرحه هو من المسؤول عما حدث والدمار الذي لحق بقطاع غزة وآلاف الشهداء ومئات الآلاف الذين هُجِّروا قسرياً من منازلهم وأراضيهم ومن يحاسبهم على ما ارتكبوه من مجازر وما اقترفوه من جرائم؟؟..
على صعيد الكيان الصهيوني فقد أوردت وسائله الإعلامية والصحافية أن رئيس أركان الجيش الصهيوني دعا إلى إنشاء لجنة عسكرية للتحقيق فيما حدث ومعرفة الحقائق ومحاسبة المسؤولين عنه، وما آلت إليه الأمور داخل الكيان الصهيوني ووضعه العسكري وما لحقت به من خسائر وإن حاولوا إيهام رأيه العام بما حققوه من إنجازات؟!.
وقد قال وزير الدفاع الأميركي منذ أسابيع قليلة لنتنياهو:”من الممكن أن تكسب الحرب تكتيكياً، ولكن بالتأكيد ستخسرها استراتيجياً..
فقد تحوّلت مواقف الرأي العام الدولي من داعم للكيان الصهيوني إلى مناهض له بعد قصفه الهمجي التدميري لقطاع غزة وقتله وتهجيره لشعبه،وبذلك تحول الكيان الصهيوني وشعبه من ضحية لألمانيا النازية التي مارس ابتزازها من أجل ذلك من تاريخه ولغاية اليوم. كما تحوّل من مضطّهَد إلى مُضطّهِد.
وعلى الصعيد الفلسطيني فالسؤال الأخطر ،من الذي سيباشر التحقيق مع حركة “حماس” وهي السلطة الحاكمة للقطاع عما سبّب ما حدث وما لحق بالقطاع من خراب وتدمير وقتل وتشريد شعبه؟
-لماذا أقدمت “حماس” على هذه العملية العسكرية دون أن تقرأ الصورة الكاملة والواضحة لها ولنتائجها وعواقبها الكارثية والمأساوية؟..
-لماذا لم تُنشأ ملاجىء لشعب قطاع غزة لتوفر لهم الحماية والأمان بقدر ما أنشأت لقياداتها وعناصرها الأنفاق تحت الأرض وعلى مدى مساحة القطاع ٥٠٠ كلم٢ تقريباً ؟!.
-لماذا عملت “حماس” على حماية حركتها وقادتها وكوادرها بتواجدها بين شعبها وتحت الأرض بدل أن تحميه وأبقته عُرضة للقصف والتدمير ؟!.
-أي صفقة تسوية ستعقدها حماس سيكون ثمنها فادحاً من الشهداء والدماء ومن سيسائلها ويحاسبها على ما ارتكبته في حق شعبها والقطاع؟..
وعلى الصعيد الدولي فقد بادرت جمهورية جنوب أفريقيا وبكل شجاعة على تقديم دعوى قضائية ضد الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية،وهي لا تربطها أي صلة عربية أو إسلامية بفلسطين وشعبها، ولكن ترجمة لمبدأ أطلقه زعيمها الراحل نيلسون مانديلا بقوله “نحن جزء من إنسانية واحدة “. وجنوب أفريقيا من أكثر الدول التي عانت من الاضطهاد والظلم من سياسة الفصل العنصري خلال حكم الأقلية البيضاء لها، واستندت مندوبة جنوب أفريقيا في مداخلتها أمام محكمة العدل الدولية إلى كل الوقائع والإثباتات والأدلة من ” مصادر موثوقة بمعظمها من الأمم المتحدة ” وعرضت بعض الإحصائيات المقدمة من أجهزة الأمم المتحدة لإثبات “سلوك الإبادة” للكيان الصهيوني.
على العموم وفي مختلف الأحوال فإن المجتمع المحلي والعربي والدولي أمام امتحان صعب ومسؤولية تاريخية في القيام بالمساءلة والمحاسبة للمسؤولية عن أكبر جريمة “الإبادة الجماعية” في تاريخنا المعاصر، وأخطر عملية تصفية للشعب الفلسطيني بعد نكبة ١٩٤٨؟!..