المصداقيّة الأميركيّة: تقسيم “المُقسّم”.. وتجزئة “المُجزّأ”!

كتب جورج علم في الجريدة:

هناك حرب أخرى في المنطقة، إنها حرب المصداقيّة الأميركيّة. رفعت دول مجلس التعاون الخليجي، قبل أيام، البطاقة الصفراء في وجه “اللاعب” الأميركي، واستطراداً البريطاني. الغارات على صنعاء ليست لتأديب “الحوثي”، بل للإبتزاز. إدارة الرئيس جو بايدن هي التي رفعت “الحوثي” من قائمة الإرهاب، وهي التي تقصف “الحوثي” بحجة “اجتثاث” الإرهاب. إنها إزدواجيّة فاقعة، ومصداقيّة لعوب تميل مع كلّ ريح وفق أهواء المصالح.

“الملعب” اليمني مصنّف دوليّاً كواحد من الأبرز نشاطاً، وديناميّة. مبارياته مفتوحة منذ ما قبل 25 آذار 2015، بدء “عاصفة الحزم”، لكن لهذا التاريخ نكهة خاصة كونه يؤشر إلى التغلغل الأميركي الفاقع في زواريب الأزمة اليمنيّة الداخليّة.

المصداقيّة هناك تمليها المصالح. تقع اليمن في إطار جغرافي مهم وحيوي للمصالح الأميركيّة. ودائماً ما كانت واشنطن تبدي إهتماماً بالسيطرة على مضيق باب المندب الذي يمر عبره كلّ يوم 4.7 مليون طن من النفط الخام. حرصت أن تكون على مسافة واحدة من الجميع. تؤكد الباحثة بمعهد “أميركان أنتربرايز”، كاترين زيمرمان أن الولايات المتحدة “اختارت ألاّ يكون لها تأثير على الأطراف المتحاربة في اليمن، لأنها تقيد نفسها في ما يخصّ مصالحها، وكان الحوثي من المتعاونين، وعندما خرج ليعبث بأمن البحر الأحمر، خرجت عليه”.

لم تصحُ الدول العربيّة، وتحديداً الخليجيّة، من نومها العميق على هدير الطائرات الأميركيّة والبريطانيّة وهي تقصف صنعاء، كانت “واعية” منذ صباح السابع من تشرين الأول الماضي تراقب المشهد الفظيع في غزّة، وعمليات “الدعم السريع” الأميركيّة لآلة الحرب الإسرائيليّة. تعاطت مع حاملات الطائرات والأساطيل على أنها ضمانات لفرض عودة متوازنة إلى سكينة الاستقرار، فإذ هي دعامة لسياسة “المعايير المزدوجة”، وعلى قاعدة أن “طوفان الأقصى” هي “انتهاك صارخ لحقوق الإنسان”، فيما “حرب الإبادة” في غزّة منعتقة من هذا الفرمان!

ويرسم الخليجيّون أكثر من علامات استفهام حول مستقبل مصالحهم النفطيّة والتجاريّة، في ظلّ “المصداقيّة” الأميركيّة.

جاءت واشنطن بأساطيلها عندما اقتنعت أن مصالحها بدأت تتأثر بما يجري في هذه المنطقة الحيوية لأمنها القومي، ومصالحها الإستراتيجيّة، وبخاصة في مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي توليه إهتماماً بالغاً لإعتبارات أربعة: منع الأصيل من التحكم بحركة الملاحة، بواسطة الوكيل. ومنع نفوذ أي قوّة دوليّة، سواء أكانت روسيا أو الصين. وضمان أمن إسرائيل. وضمان تدفق الغاز لحلفائها الأوروبيّين عبر البحر الأحمر.

وتدور في دوائر القرار الخليجيّة علامات استفهام كبرى حول مصير ومستقبل الإتفاقيات النفطية المبرمة مع الصين؟ وحول مستقبل الدور الروسي ـ السعودي في التحكم بسياسة منظمة “أوبيك +”؟

ويرسم العرب، ومعهم العديد من دول منظمة المؤتمر الإسلامي، علامات استفهام حول “المصداقيّة” الأميركيّة من ما يجري قي غزّة، والضفة الغربيّة، وجنوب لبنان، وسائر الجبهات الأخرى، حيث أثبتت الوقائع بأنه لا يمكن الحديث عن سياسة أميركيّة واضحة، ثابتة، وشفّافة، في منطقة حيويّة بالنسبة إليها، من دون الإشارة الى “مشروع الشرق الأوسط الكبير” الذي رفعت شعاره قبل سنوات، والذي تسعى من ورائه إلى تقسيم المقسّم، وتجزئة المجزأ على أنقاض “سايكس بيكو” (1917)، والذي يستهدف في النهاية إعادة هندسة المنطقة العربيّة بما يتناسب ومصلحة العدو الإسرائيلي وشركائه ضمن نظام شرق أوسطي تؤدي فيه دوراً واسعاً. والدليل على ذلك حتى الآن: تصميم التطرف الإسرائيلي على تهجير الفلسطينيّين من غزّة، والضفة الغربيّة. والسعي إلى إعادة ترسيم حدود كيانات بعض الدول في المنطقة.

والمؤسف أنه يُصار، سواء من الأميركيّين أو “الإسرائيليّين”، إلى التعويل على الحركات المتطرّفة والتي تمثّل الأداة التنفيذيّة لتحقيق هذا المخطط الذي يستهدف تفتيت وحدة الدولة الوطنيّة العربيّة.

واللبنانيّون يرسمون أكثر من علامة استفهام حول “المصداقيّة” الأميركيّة تجاه وطنهم.

لا نريد نكأ الجراح، وهناك الكثير من الكلام حول الكثير من المحطات، والإستحقاقات، والمفاصل، نكتفي بثلاثة عابرة، وبإيجاز محكم:

• بعد 14 شباط 2005 دعمت “ثورة الأرز” بالوعود والشعارات. لم يبق من “الثورة” سوى المشظّى في جسم الوطن، ومن الأرز سوى الرمز الكئيب وسط العلم الممزق.

• في عزّ النخوة الإيرانيّة لمد لبنان بالنفط والكهرباء، إنبرت السفيرة دوروثي شيا بوعد اللبنانيين بالغاز من مصر، والكهرباء من الأردن. ومنذ ذلك الحين شبع اللبنانيون غازا وإنارة!…

• تشكلت لجنة خماسيّة عربيّة ـ دوليّة العام الماضي لملء الفراغ، ومساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهوريّة. الطرف الفاعل والمؤثر في عمل اللجنة هو الولايات المتحدة الأميركيّة، وهذه ترعى الفراغ، ولا تريد انتخاب رئيس كي يبقى لبنان الوطن ساحة مشرّعة أمام كل الحسابات والخيارت المستقبليّة في المنطقة… وتصبحون على مصداقية!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top