“الفوضى الخلاّقة” ومتغيّرات منشودة لأهداف استراتيجية.

كتب صائب بارودي

بعد قراءة مستفيضة ومتأنية ودراسة بحثية عميقة للأوراق المتناثرة في الشرق الأوسط والمشاهد الدموية العنيفة التي تغطي مساحات كبيرة من أراضيه، يكتشف الباحث أنها التطبيق العملي والعسكري لنظرية”الفوضى الخلاّقة” التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها الدولية خاصة في الدول العربية والإسلامية.

و”الفوضى الخلاّقة ” مصطلح سياسي،يقصد به تكوّن حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الأحداث تقوم بها أشخاص معينة بدون الكشف عن هويتهم،وذلك بهدف تعديل الأمور وإجراء تغييرات لصالحهم.

وأول من وضعها ودعا إليها المستشرق اليهودي برنارد لويس في الشرق الأوسط والعالم العربي لكونه يمثل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة،ورأى أن التقسيم الحالي للمنطقة غير مناسب ويجب أن يتغيّر بحيث يتم تقسيم المنطقة على أساسٍ طائفيّ وعرقيّ.

وكان قد سبق هذه النظرية قاعدة “الخطوة خطوة” التي اعتمدها وزير الخارجية الأمريكية الراحل هنري كيسنجر الذي عُرف بدهائه ومكره وخبثه في العمل السياسي الدولي خاصةً عقب حرب تشرين (اكتوبر) حين أُصيب بالذهول والصدمة والقلق عندما بلغه خبر عبور الجيش المصري قناة السويس والسيطرة على خط بارليف الحصين واشتداد المعارك العنيفة في سيناء بين الجيش المصري وقوات العدو الصهيوني.
فآل على نفسه أن يبذل أقصى جهوده ومساعيه وطاقاته لحماية الكيان الصهيوني وضمان أمنه واستقراره وهو الألماني اليهودي المتعصب الذي فرّ مع أهله من ألمانيا هربًا من الإضطهاد النازي، فاعتمد مبدأ الخطوة خطوة في ممارسة سياسته الخارجية والعمل على بذر الشقاق والتفرقة بين الدول العربية ،ثم جاءت كونداليزا رايس إلى وزارة الخارجية الأميركية لتتبنّى نظريتيّ “الخطوة خطوة” و”الفوضى الخلاّقة” التي بدأت تتجسد بصورها المتتالية حسب السياق التاريخي على الشكل التالي وإن احتاجت كل صورة منها إلى شرح تفصيلي يطول سرده:
-بدأت باحتلال أمريكا لأفغانستان عام ٢٠٠١
-دعم الثورة الإيرانية الشعبية والإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي رغم أنه من أكثر أصدقاء أمريكا المقربين وشُرطيها في المنطقة،ثم الإيحاء إلى الإمام الخميني بالإنتقال من العراق حيث كان منفيًّا من إيران إلى فرنسا ثم إحضاره بطائرة فرنسية وحماية جوية وأرضية إلى طهران ليتولى قيادة الثورة الإيرانية مع أتباعه من الملالي وإقصاء شركائهم في الثورة من الجهة الوطنية والتقدمية الإيرانية ليتفرّد بالحكم في إيران وإقامة نظام ديني لمنع الإتحاد السوفييتي والمدّ اليساري التقدمي من الوصول إلى المياه الدافئة عبر أفغانستان.
-إشعال الحرب بين إيران والعراق التي دامت ٨ سنوات ١٩٨٠-١٩٨٨.
-مراوغته للعراق لتشجيعه على احتلال الكويت عام ١٩٩١.
-إشعال فتنة أهلية مذهبية في جنوب العراق.
-القيام بالعدوان الثلاثيني على العراق بذريعة إخراجه وتحرير الكويت عام ١٩٩١.
-افتعال أحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ في أمريكا وعملية المركز التجاري العالمي في نيويورك تمهيدًا لإتهام العراق بدعم مرتكبيها وامتلاكه لسلاح الدمار الشامل ثم القيام بالعدوان عليه وغزوه واحتلاله عام ٢٠٠٣.
-إقصاء القيادة الوطنية عن حكم العراق وتولي أتباع أمريكا وإيران السلطة وإجراء محكمة صورية انتهت إلى إعدام الرئيس الشهيد صدام حسين عام ٢٠٠٦.
-اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام ٢٠٠٥.
-افتعال معركة بين الكيان الصهيوني و”حزب الله” في تموز عام ٢٠٠٦.
-قيام معركة حماس بالإنشقاق عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية واجتياحها غزة والإستيلاء على سلطتها بعد تصفية معارضيها من الفصائل الفلسطينية الأخرى عام ٢٠٠٧.
-تحركات شعبية في بيروت عام ٢٠١٩ بذريعة زيادة الضرائب (الواتساب) وانتشارها في كل المناطق اللبنانية بشعار مختلف”عبور للطوائف والمناطق”، أسفرت عن تخريب وتدمير لمرافق الإقتصاد اللبناني والإنهيار السياسي (استقالة الرئيس سعد الحريري). فهدأت التحركات الشعبية لتبدأ معارضة سياسية شكلية وصورية وإعلامية.

كل هذه الأحداث السالفة الذكر تمت في إطار نظريتيّ “الخطوة خطوة”و”الفوضى الخلاّقة “، أشرفت على إدارتها الولايات المتحدة الأميركية عبر وسائلها وأدواتها وأذرعها من دول وقوى إقليمية، وذلك لإحداث تغييرات جذرية تحقق هدفين استراتيجيين : أمن الكيان الصهيوني والإستيلاء على مصادر الغاز الموعود في دول المنطقة.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top