بقلم هبة علام
في الوقت الذي لم تنهِ فيه شركة “توتال” مهمتها في البلوك الرقم 9، ولم تقدّم تقريرها الفنّي، بعدما توقّفت عن الحفر قبل أقل من 500 متر من رأس التجويف، بحجة معركة “طوفان الأقصى” والحرب الدائرة على جبهة غزة وجنوب لبنان. تمنّعت الشركة عن
توقيع عقدي الاستكشاف والاستخراج في البلوكين 8 و 10 اللذين فاز بهما “كونستوريوم” الشركة الفرنسية وانتهاء المهلة التي منحتها الحكومة ووزارة الطاقة للشركة لتعديل عرضيها لما يتضمّناه من “تسويف ومماطلة” في التوقيت الذي طلبته للاستكشاف والبدء بالحفر والذي قد يمتّد حتى العام 2028.
ما فعلته الشركة الفرنسية شكّل صدمة لدى بعض المعنيين والمتخصّصين في هذا القطاع والذين وضعوا له خلفيات سياسية واقتصادية تتعلّق ربما بعمليات الاستخراج الإسرائيلية والمشروع القبرصي، إضافة إلى مستقبل الغاز الذي يتم العمل على تخفيض استهلاكه عالمياً لصالح اعتماد الطاقة على الهيدروجين الأخضر.
في المقابل اعتبر البعض أن ما جرى مؤخراً في هذا الملف تطور طبيعي قد يحدث في مثل هكذا عقود سواء في هذا القطاع أو غيره.
وفي هذا الإطار، اعتبرت الخبيرة في مجال النفط والغاز في الشرق الأوسط لوري هايتيان في حديث لـ “ديمقراطيا نيوز” أن ما جرى مع شركة “توتال” ليس بالأمر الغريب بل إنه طبيعي ويحصل بين الشركات والحكومات، ولذلك يتم اعتماد آلية فتح التراخيص والتفاوض حول العروض المقدّمة من الشركات بكل جوانبها، لافتة ً إلى أن “ما حدث اليوم هو أن الدولة اللبنانية تفاوض على الشروط المالية والمهل بناء لأهدافها، وعندما رأت أن شروطها غير متوفرة بالعرض الذي تقدّمت به الشركة الفرنسية، طالبت بإجراء تعديل عليه وفق مصلحتها”.
وأوضحت لوري ان “هناك بعد التعقيدات التي طرأت على هذا الملف فنحن اليوم أمام مسارين لا ثالث لهما، إمّا العودة إلى المفاوضات أو الذهاب إلى جولة تراخيص ثالثة وهي مفتوحة أصلاً، وبالتالي ستضطر الحكومة للانتظار من جديد ريثما تتقدّم شركات جديدة بعروضها لأجل البلوكات المتبقية.”
وبشأن الحديث عن أهداف سياسية ومماطلة تقف خلف تصرف شركة “توتال”، لم توافق لوري على هذا التوصيف، مذكرةً بأن “المهلة التي تحدّثت عنها الشركة في عرضها هي في الأساس المهلة المسموح العمل في إطارها بحسب القانون ودفتر الشروط الذي نُظّم لهذه الغاية، والمتمثّل بـ 3 سنوات ثم سنتين، ثم ممكن إضافة سنتين أيضاً، على أن لا يتعدّى الأمر العشر سنوات.”
ولفتت إلى أن “الدولة اللبنانية هي من غيّرت أهدافها لأنها تريد تسريع عمليات الاستكشاف والتنقيب بسبب التأخير نتيجة الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمرّ بها لبنان، فيما “توتال” تعتبر أنها تعمل ضمن القانون ودفتر الشروط”.
وهنا أوضحت لوري أن ” على الحكومة اللبنانية أن تتنبّه لرؤية الشركة فيما يتعلّق بالشق المالي، لأن البلوك 8 و10 يتواجدان في منطقة تتّسم بمخاطر أمنية عالية جداً، إضافة إلى أن لبنان بلد مفلس وليس لديه أي رؤية اقتصادية للنهوض، وبالتالي فإن “توتال” ستعمل في إطار مخاطر أمنية ومالية، وهذا ما يبرّر تقديمها لعرض قد يكون غير مناسب للبنان وذلك تعويضاً عن أي خسائر محتملة”.
وأضافت “في المحصلة “توتال” شركة تبتغي الربح ويهمّها الاستكشاف والاستخراج، لأن أسوء ما يمكن أن يحدث لها أن تصرف أموالها لأجل الاستكشاف وفي النهاية لا تصل إلى النتيجة المرجوّة، يضاف إلى ذلك المنافسة بين الشركات العاملة في القطاع نفسه، وبالتالي الأمر غير مرتبط برغبة لدى “توتال” بأن لا تكتشف الغاز أو بخلفيات سياسية إنما هي تعمل كأي شركة أخرى وفقاً لمصالحها وربحيتها”.
إذا، في الوقت الذي يتراشق فيه المعنيون الاتهامات ويهدرون المزيد من الوقت، وبين المماطلة والواقع واستمرار أعمال الاستخراج الإسرائيلية، قد يختفي الغاز أو يُصبح بلا قيمة أمام التحوّلات العالمية نحو الطاقة المتجددّة، فهل من يستيقظ؟