الحقيقة المُرّة خير من الوهم المريح

بقلم محمد حندوش

في زمنٍ سادت فيه لغةُ الصالح ، وتفوّق منطقُ
‎المجاملات على حساب المبادئ ، يُتّهمُ الأحرار بثباتهم و انحيازهم إلى محور القيم ، وتصوّبُ إليهم سهامُ النقد بعيداً عن ثقافة المنطق ، ولعل الذي يستقرئ تاريخ البشر وسيرُ الأمم يدركُ أن هذا ديدنُ الحياة ، ومصيرُ الملتزمين بأخلاقهم ، في ماراتون الصراع بين الحق والباطل ، ظنّاً منهم أن شعلة المبادئ قد تنطفئ …

‎هنا يبرزُ معدنُ الرجال ، وتظهرُ حقائقُ النفس البشرية التي تشعر بغربةٍ نادرة ، لتفوح رائحة النفاق من أفواه المجاملين ، ليؤرخ الزمن خيانةً جديدة تبعد الإنسان عن انسانيته، وتخرجه من دائرة بشريته لتسدد الأجيال القادمة فاتوره جيلٍ سيشهد التاريخ على مكره وخداعه …

‎وهكذا تدور رحى حربٍ خفيّة ، وتتعارك داخل المجتمع ثقافتان تبدو للوهلة الأولى أنها لصالح اللامنطق ، والغريب أن منسوب الغباء يرتفع إلى أعلى مستوياته ، بل يفخر أربابه أنهم أحرزوا نصراً وتفوقاً يتمثل بالانتصار على الآخرين ، لتبدأ منظومة القيم بالانهيار ، وتئنّ الأخلاقُ تحت ضربات الداخل والخارج . وهذا ما يطلق عليه علماء المجتمع “صراع الحضارات “.

‎وما يزيد الأمر سوءاً بأن المؤرخين لهذه المرحلة يساهمون وبشكل سلبي في دفع الأمور إلى سيناريو تفتيت الأعمدة التي ينبت عليها مسيرة الأخلاق، ليتمّ تشكيل جبهة خفية تعمل إجهاض حكاية الاصلاح التي ما لبثت أن تحولت إلى صورة فولكلورية لا تسمنُ من تصحيح، ولا تغني من تغيير ، لتستمر المأساة في طبع الرحلة بخاتم ممهور عليه
‎”المادة أولاً وأخيراً” … على مرأى ومسمع العالم كله.

في الجهة المقابلة يستمر الأحرار في معركتهم، محركين الرماد من جديد لينهض طائر الفينيق محلقاً في فضاء الحقيقه ، وتتبعهُ رصاصاتُ الاتهامات الباطلة التي تعود إلى الأرض لتصيب مطلقيها الذين أعمى الحقد أعماقهم، ليجاهروا مرةً جديدة بعدائهم وابتعادهم عن منطق الفضيلة بعدما أصيبوا بخيبات أمل ستبقى شاهدة ولاعنةً لتاريخهم . ليبقى السؤال المائل في أذهان الأجيال :” متى ستحرر الحقيقة من زنزانة الباطل !!!”

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: