بقلم ساريا الجرّاح
استطاعت السعودية أن تُلفت الأنظار هذا العام بعد العديد من الاتفاقيات التي أتمّت عامها الأول منذ بضعة أيام، العلاقات السعودية-الايرانية المباركة بالأيادي الصينية تسعى لطي صفحة الخلاف وتفكيك أزمات الشرق الاوسط خاصّة على صعيد تهدئة عجلة الصراع اليمني والتي كانت تمضي بوتيرة عالية.
لم تكتف السعودية باحتضان طهران فقط بل وسّعت رُقعة امتدادها الى سوريا الأسد حيث الخلاف العقيم الذي لم يتوقع أحد يوماً أن يتبلور ويصبح طريقاً لعودة سوريا الى الحضن العربي، وإن تعثّر أمرها…
تضاؤل الدور الأميريكي في السعودية:
اللافت في كلا الاتفاقين أنهما أثّرا وبشكل جدّي على مسار العلاقة بين السّعودية والولايات المتحدة التي انسحبت بشكل تكتيكي من الشرق الأوسط وذلك بعد رفض وزير الخارجية السّعودي مطلب واشنطن بالضغط على الرياض لإدانة هُجوم حركة حماس.
ويضيف هذا الخطر مخاوف الرياض بشأن الحرب الإسرائيلية المسّتمرة على غزّة وإحباط السّعودية من الولايات المتّحدة لرفضها الضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقبول وقْف إطلاق النار. وإذا خَرجت التوترات الإقليمية عن نطاق السيطرة وانْخرطت المملكة في إطلاق نار متبادل، فإن التهدئة الناشئة بين البلدين قد تكون في خطر.
ومن ناحية أخرى أصبح واضحاً أن خروج الولايات المتحدة الأميريكية من الشرق الأوسط لم يعد يشكّل عقبة ثقيلة أمام انضمام تُركْيا الى التطبيع السّعودي-السّوري، والدليل خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مأدُبة إفطار مع جنود في العاصمة أنقرة قائلاً ” سنُكمل حتماً ما تبقًى من أعمالنا في سوريا”.
ماذا تريد السّعودية من الأسد؟
عناوين التضامن السعودي-السوري تفعّل الحركة التجارية والاقتصادية في سوريا الى حدّ ما، الّا أن المغامرة الاستثمارية في سوريا ليست على ما يُرام… فالاقتصاد مُهدّم، والفساد يَعُمّ السياسات والنظام لا يرحم! وليكتمل المَطاف فإن العقوبات الاميريكية على سوريا سترْدع أي استثمار وتُبقي الحسابات المصرفية السورية في خَانة “التجميد” حتّى عودة الأسد الى الحضن العربي باعتبارها الفرصة الوحيدة له. ففي ظل كل هذه العقبات لا زالت السعودية تسعى للحفاظ على علاقتها بـ دمشق لأهداف عدّة أوّلها أن الاتفاق سيحدّ من تصنيع المخدّرات الذي دام لسنوات وتصديرها إلى الدول المجاورة، السبب الذي تطرّقَ اليه وزيري الخارجية السّعودي والسّوري إثر لقاءهما الأخير.
ثانياً القلق السعودي حيال وحدة الأراضي السورية، التي تتنازع عليها قوى كُبرى لها “أطماع” في سوريا، كـ إيران وتركيا والولايات المتحدة، ثالثاً اتفاق البلدين حول مستجدّات استمرار التصعيد العسكري في غزة ومحيطها، وضرورة العمل على إيجاد السُبل اللازمة لنزع فتيل التوتر ووقف تصاعد الصراع الدّائر في المنطقة.
أما من الجانب السوري فإن عودة العلاقات ما هي الّا بوّابة عُبور للأسد الى الحضن العربي بعد عُزلته التي دَامت أكثر من عقد. والأجدر أن لا تبقى سوريا سيدة القرار حَول مستقبل بلدها المرهون بيد لاعب اقليمي واحد أثبت لسنوات عديدة أن وجوده ما هو إلا كارثة تحقق “غايات في نفس يعقوب”.
أمّا الرهان على حدوث تغيُّر في أداء النظام بعد تطبيع العلاقات، فذلك مستغرب، خصوصاً أنّه أكثر مَن اختبر آليّات التهرّب من التعهّدات وعدم الإيفاء بالعهود والوعود.
فالنظام السوري غير قابل لتعزيز حساباته العربية على حساب موقعه إلى جانب إيران.
أين لبنان من اتفاق س-س؟
يعيش لبنان أزمة عقم في انتخاب رئيس للجمهورية ولو داوته آلاف الأطبّاء لن يستعيد عافيته الا على يد تسوية اقليمة عرّابتها السعودية بتفاهمها مع الأسد الذي يمكن أن لا ينعكس مباشرة على إسم أو شخص رئيس الجمهورية، بل قد تذهب الأمور الى تسوية، مما يعزّز نظرية ترشيح خيار ثالث، يفرض التخلّي عن رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية وعن الوزير الأسبق جهاد أزعور ومعه أيضًا النائب ميشال معوّض. في ظلّ من يراهن على أن عودة دول الخليج هي لـ تلزيم الملف اللبناني لدمشق.
فاليوم وبعد الحرب التي أنهكت نظام الأسد لم يعد هناك قدرة للنظام السوري على التأثير في لبنان، لذا من الصعب ترجمة الانفتاح السعودي على نظام الأسد في صالح سليمان فرنجية وانتخابه رئيساً للجمهورية. لكن يمكن لهذه الواقعة أن تتغّير مع فرنجية بشكل عكسيّ لبنانياً، اذا أراد لبنان العودة الى جنين الماضي! قد يستفيق فرنجية على اتصال هاتفي من الأسد إمّا مهنّئاً أو مواسياً.
في نهاية المطاف السّعودية لنْ تنسى إجرام الأسد، والأسد لنْ يغفل عن تاريخ العلاقات السعودية-الأميركية ولا الأخيرة ستعْرض عن الامتداد الإيراني في الشرق الأوسط، لكنّ السُؤال الأَبرز هل ستُثمر العلاقات السعودية وخياراتها الإستراتيجية شرق أوسط جديد يطبّع “السلام” بين الدول؟