خلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية، فوجئ النواب بموقف لافت لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يتعلق بفصل ساحة الجنوب عن حرب غزة وتحييدها، لأنّ الوضع لم يعد يحتمل مزيداً من الخراب والدمار. أسف ميقاتي لحجم الدمار الهائل في القرى والبلدات الجنوبية، وقال إنّ الأوضاع لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، مشيراً إلى أنّ فرنسا كما الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سيعاودان طرح وقف جبهة الإسناد لغزة من الجنوب، خصوصاً أنّه لا يبدو أنّ هذه الحرب ستتوقف قريباً.
الاجتماع المخصص للبحث في ملف النازحين السوريين والاطلاع على الخطة التي أعدتها الحكومة لعرضها في الاجتماع المقرر الشهر المقبل في بروكسل، تحوّل في جانب منه إلى حلقة نقاش حول الحرب المشتعلة في الجنوب حيث عبّر نواب «القوات» و»التيار الوطني الحر» عن رأيهم في ضرورة وقف هذه الحرب تجنّباً لحرب اسرائيلية واسعة على لبنان، فيما كان مفاجئاً تبدل موقف ميقاتي لناحية حديثه المستفيض عن الأضرار والدمار الهائل الذي لحق بالبلدات في الجنوب نتيجة القصف الإسرائيلي، وهو يخرج عن قدرة لبنان في التعويض على الأهالي. كما كان مفاجئاً طرحه فصل الجنوب عن حرب إسرائيل في غزة ووقف حرب الإسناد انطلاقاً من الجنوب، والمختلف عما يقوله ويعلنه من مواقف سبق وعبّر عنها من أنّ الحرب في الجنوب لا يمكن أن تنتهي إلا بوقف الحرب على غزة. ولمح ميقاتي خلال الاجتماع إلى أنّ فرنسا كما الولايات المتحدة الأميركية ستعاودان طرح مبدأ فصل الساحات بين غزة ولبنان.
ما قاله ميقاتي استدعى اعتراضاً من نائب «حزب الله» إبراهيم الموسوي الذي رفض ضبط ساعة لبنان على التوقيت الأميركي. وقال لرئيس الحكومة إنّ الموقف يفترض أن ينطلق من سيادتنا الوطنية ومصالحنا الإستراتيجية وضبط ساعتنا على وقع مصالحنا الوطنية والقومية وليس على وقع ما يقوله هوكشتاين وغيره وهو الذي يسعى في زيارته لبنان الى تحقيق مطالب اسرائيل وحماية مصالحها.
يلمس «حزب الله» وجود حملة تهويل قوية على لبنان الرسمي انطلاقاً من الحكومة في محاولة للضغط من أجل وقف المواجهة جنوباً بينه وبين اسرائيل، خاصة أنّها غير قادرة على إعادة المستوطنين إلى الحدود الشمالية، وقد ضرب موسمها السياحي في الشمال وتوقفت الصناعات الأساسية، فضلاً عن الإستنزاف العسكري لجيشها. بدا ميقاتي الآتي من فرنسا أنه باتت لديه مقاربة مختلفة. وربطاً بزيارته فرنسا فإن كلام ميقاتي فُسّر على أنّه خلاصة ما تبلغه عقب لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ويحمله وزير خارجيته ستيفان سيجورنيه للبحث عن فصل ساحة الجنوب عن غزة تحت التهديد بالحرب.
وتقول معلومات موثوق فيها إنّ زيارة الموفد الفرنسي إن حصلت فغايتها تقديم عرض يفصل ما تشهده غزة وما ستشهده رفح عن ساحة الجنوب، مع صيغة جديدة لتطبيق القرار 1701. ولا تستبعد أوساط ديبلوماسية أن يكون الموقف الفرنسي منسقاً مع الولايات المتحدة وغايته جس النبض حول امكانية البحث مع «حزب الله» في فك المسارات مقابل التزام اسرائيل الانسحاب إلى الحدود البرية المتفق عليها بعد أن تتعهد بوقف عدوانها على لبنان. وتابعت المعلومات أنّ فرنسا، كما موفد الولايات المتحدة آموس هوكشتاين، سيسعيان إلى الضغط على لبنان لتجنيبه ضربة إسرائيلية محتملة متى فشل رئيس وزراء اسرائيل في تحقيق أهدافه في رفح. ولأجل ذلك عُلم أنّ ما يطرحه خلف الكواليس ليس متعلقاً بإنسحاب «حزب الله» كيلومترات شمال الليطاني، إنما إعادة تموضع وبحث في امكانية وضع صيغة جديدة تنهي الحرب وتؤمن الإستقرار على الحدود من الجهتين.
وإزاء «الحملة» عليها فقد أبلغ «حزب الله» رئيس حكومة تصريف الأعمال أنّه طالما العدوان على غزة قائم فـ»حزب الله» سيستمر في حربه ضد اسرائيل. أما في شأن ما سمعه من ميقاتي وآخرين عن طروحات فرنسية وأخرى أميركية تتعلق بتطبيق القرار 1701 وفصل الجبهتين، فإنّ مسألة الفصل غير واردة ولو من زاوية النقاش، أما الصيغ المتداولة فلم يتسلم صيغة جدية بعد ليكوّن موقفاً في شأنها.
أي صيغة جديدة فرنسية أو أميركية ستوضع في عهدة رئيسي الحكومة ومجلس النواب لإتخاذ الموقف منها. واذا كان ميقاتي عبّر عن موقفه أمام لجنة الشؤون الخارجية وصار يحتسب الحرب الدائرة في الجنوب بالخسائر فإنّ وزير خارجية فرنسا سيضع ما بحوزته في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري، خصوصاً النقطة التي تتحدث عن عزل الجنوب عن حرب غزة، ولو أنّ الجواب صار في عهدة المعنيين مسبقاً. فأي جديد يحمله سيجورنيه؟ وهل تطور الوضع في رفح وفشل المفاوضات سيكونان سبباً لزيارة هوكشتاين؟ وهل ما يجري يتدارك ضربات إسرائيلية موجعة أو عملية عسكرية سريعة؟ أسئلة يرتئي «حزب الله» إرجاء الإجابة عليها إلى ما بعد زيارة الموفد الفرنسي الذي يقول إنّ هدف زيارته، وفق ما تبلغ، هو الوضع في الجنوب أولاً، ثم محاولة فصل الرئاسة عن الجنوب، أما الإنفصال عن غزة فهو «مرفوض. موقف نهائي لا نقاش فيه».
المصدر:غادة حلاوي – نداء الوطن