المصدر : راجانا حمية “الأخبار”
الأحد الفائت، أُدخلت نادين خشّاب من منطقة الحوش (صور) إلى العناية المركّزة في مستشفى جبل عامل، لتفارق الحياة بعد ساعات، ما فتح الباب أمام تكهنات عدة حول سبب الوفاة، قبل أن تستقر على تعرّضها للتسمّم بسبب استنشاقها موادَّ استخدمتها إحدى شركات رش المبيدات الحشرية في منزلها. وعزّز هذه الرواية إدخال العاملة المنزلية لديها إلى العناية المركّزة في حالة حرجة للسبب نفسه، وإدخال أربعة أشخاص يقطنون المبنى نفسه إلى المستشفى بسبب صعوبات في التنفس، بعدما كانوا قد استعانوا بالشركة نفسها. وتفيد الرواية التي لا تزال قيد التحقيق لدى القضاء وفي وزارة الصحة بأن خشاب استعانت السبت الماضي بشركة «معروفة» للتخلّص من الحشرات، وغادرت المنزل بعد رشّه بناءً على تعليمات الشركة لثلاث ساعات قبل أن تعود إليه، لتظهر عليها عوارض اختناق وصعوبة في التنفس. حتى اللحظة، لا أحد يحسم سبب الوفاة لعدم صدور نتائج العينات التي أُخذت للتحليل، بحسب المصادر الأمنية، وإن كانت ترجّح أن خشاب «قُتلت» بعد تسمّمها بأحد المبيدات الحشرية. وما يرجّح هذه الفرضية أيضاً موت هرّة خشّاب، ما يفترض معه فتح ملف شركات رش المبيدات المنزلية التي تنبت كالفطر، وتتراكم عدداً مع كل صيف في ظل ازدياد الحاجة إليها مع تكاثر الحشرات.بحسب قانون «تنظيم استيراد ومهن بيع وتعبئة وتوضيب وتحضير وصنع ورش مبيدات الحشرات والقواضم المنزلية» (قانون 11/1978)، يجب أن يخضع استيراد وبيع وتوضيب وتحضير هذه المواد المستعملة في حقل الصحة العامّة لـ«ترخيص مسبق يمنحه مدير عام وزارة الصحة العامّة بعد استطلاع مصلحة الهندسة الصحية في الوزارة» (المادة 1). وتنص المادة الخامسة على وجوب استحصال كل صاحب مؤسسة على موافقة وزارة الصحة «على كل مبيد جديد ينبغي استعماله في لبنان، أكان مستورداً أم مصنوعاً أم مركّباً محلياً وكل مبيد يودّ إدخاله إلى البلاد». كما يفترض أن يرفق كل منتج جديد بـ«تحليل كيميائي صادر عن معهد معترف به ومصدّق حسب الأصول»، مصحوباً بثلاثة نماذج من المبيد تُسلّم إلى مصلحة الهندسة الصحية، و«مرفقة بنسخ كافية عن كيفية استعماله مع توضيح للمحاذير الصحية الناتجة عنه». أما الأهم فهو أن تكون لدى صاحب المؤسسة «إفادة مصدّقة تثبت جواز استعمال هذا المبيد في بلد المنشأ الأساسي (…)». لكن ما الذي يحصل في الواقع؟لا يختلف هذا القطاع عن غيره من القطاعات، ففي مقابل «الشغل الشرعي»، ثمة ما هو غير شرعي ولا يمكن ضبطه بسبب الفوضى. لذلك، فإن ما يمكن لوزارة الصحة أن تضبطه هو فقط ضمن المؤسسات المرخّصة والمستوفية للشروط، والتي تقدّر مديرة الوقاية الصحية في الوزارة جويس حداد أعدادها بأكثر من 200 شركة مرخّصة. ولكن، في مقابل تلك المرخّصة، ثمة أعداد لا يمكن حصرها لشركات أنشئت بطريقة غير قانونية «وغالباً لا نعرف عنها إلا عند ورود شكوى بحقّها ويصعب ضبطها بالمجمل لكون الكشوفات التي تقوم بها الوزارة تخصّ فقط ما هو مرخّص وموجود ضمن لوائحها». المشكلة هنا، بحسب حدّاد، أن غالبية هذه الشركات غير ظاهرة «وتكون عادة مثل الدكاكين بين المنازل أو في شوارع فرعية»، وهو ما ينطبق أيضاً على محالّ بيع المبيدات، وهي بمعظمها مخالفة للقانون الذي يمنع إقامتها ضمن مبانٍ سكنية بسبب خطورة بعض تلك المواد عند تحضيرها ورائحة بعضها التي يمكن أن تسبّب حوادث تسمّم. وإذ تؤكد حداد أن الوزارة قادرة على ضبط ما يمكن استيراده عبر المعابر الشرعية، إلا أنها غير قادرة على ضبط المواد المهرّبة أو تلك التي تبيعها وتصنّعها المحال غير الشرعية. ويحدث أيضاً أن يتورط المرخّص في «الشغل غير الشرعي». ففي بعض الأحيان «وأثناء الكشف على شركات مرخّصة قد نجد أنها تستخدم موادَّ غير مرخّصة»، لذلك طلبت الوزارة من هذه الشركات قبل أكثر من عام إعادة تسجيل كل الأدوية.مبيدات الحشرات أدوية أيضاًكما في الدواء، كذلك في المواد المستخدمة لرشّ الحشرات المنزلية، هناك بروتوكولات يفترض اتّباعها، خصوصاً أن هذه المواد تؤثّر على السلامة العامة، وأي خطأ غير محسوب قد يتسبب بالوفاة. لذلك، تخضع لإجراءات صارمة، من خلال الالتزام بشروط الاستيراد والتصنيع والخلط والتحضير، وبالتعليمات المكتوبة على عبوات تلك المواد لجهة الكمية المسموح بوضعها في الماء ومراعاة المواد المسموح برشّها في أماكن مختلفة في المنزل.وتوضح مسؤولة في إحدى الشركات أن «هناك عدة أنواع من الأدوية مقسّمة إلى عائلات، تضم كل منها موادَّ معينة والنسب المسموح باستعمالها وطريقة الاستعمال»، مشيرة إلى أن «هناك موادَّ ضمن هذه العائلات مثلاً مسموحاً باستخدامها في المطابخ وأخرى في المنازل التي لا توجد فيها حيوانات أليفة»، موضحة أن «لكل مكان خصوصية»، ولا يمكن تعميم المواد على كل الأمكنة. أضف إلى ذلك أن لكل مشكلة استخداماتها من المواد، «فعلى سبيل المثال، الأدوية التي تُستخدم لمعالجة بقّ الفراش تختلف عن تلك التي تُستخدم في مكافحة بقية الحشرات المنزلية»، وهذا يفترض أن أي خطأ في طريقة العلاج أو في الكميات «يمكن أن يؤدي مباشرة إلى الوفاة». والأخطر أن بعض المواد غالباً ما تكون بلا رائحة، وقد يستنشقها صاحب المنزل من دون شعور بذلك، وغالباً ما تنتهي العوارض بالموت اختناقاً.لذلك، فإن العمل في هذا الحقل يجب أن يكون دقيقاً لكونه يلامس الصحة والسلامة العامتيْن، والأهم من الترخيص للشركة هو إجراء الفحوص الدورية للمبيدات وفحص المبيدات الجديدة عند دخولها إلى السوق. أما «الأهم من كل ذلك فهو إقامة التدريبات الكافية لفريق العمل المكلّف باستعمال هذه المواد، سواء في تحديد الكمية المسموح برشّها ومراعاة طريقة الرشّ وإعلام سكان المنزل بالوقت المسموح لهم بالعودة، وما ينبغي فعله عند العودة»، بحسب مسؤول في إحدى الشركات. ويوضح أن ثمة عاملين أساسيين يلعبان دوراً حاسماً في هذه العملية التي يمكن أن يؤدي خطأ صغير فيها إلى القتل، وهما «طريقة العلاج ونوعية الدواء، وهذا ما يفرض الالتزام جيداً بالمعايير، إذ إن طريقة العلاج بالمرشّة تختلف عن العلاج بالرذاذ مثلاً، وبحسب كل طريقة ونوعية الدواء، يُحدّد الوقت المناسب للعودة إلى المنزل، خصوصاً أن هناك طرقاً وأدوية تستوجب ترك المنزل لأيام».