مقاومة المباني اللبنانية للزلازل: تحديات التنبؤ.. واستعداد البُنية التحتية!..

بقلم تيريزا كرم

ازدادت المخاوف في لبنان بعد التوترات الزلزالية الأخيرة التي شهدتها المنطقة، مما جعل مسألة مقاومة تالمباني اللبنانية للزلازل من أكثر القضايا الملحة. ومع التنبؤات المثيرة للجدل من قبل بعض العلماء، أصبح السؤال حول إمكانية التنبؤ بالزلازل ومدى استعداد البنية التحتية في لبنان لمواجهتها موضوعًا يثير القلق والاهتمام على نطاق واسع.

في حديثه ل”ديمقراطيا نيوز” أوضح الاختصاصي في الجيولوجيا التطبيقية : الجيوفيزياء والهيدروجيولوجيا الدكتور نافذ حرب، حول الهزات الأرضية والنشاط الزلزالي في لبنان أن الهزات و الزلازل تحدث نتيجة لتحرك الصفائح التكتونية وتراكم الطاقة داخل القشرة الأرضية حيث الفوالق . وتنطلق هذه الطاقة من مركزها ( épicentre) وتؤدي الى ارتجاجات و تتوزع بموجات صوتية تختلف سرعتها ومداها باختلاف نوعية الطبقات الجيولوجية. و تصنف كهزات او زلازل حسب عمقها في القشرة الارضية و قوة درجاتها.. وبالنسبة لتصنيف الهزات،

وأشار الدكتور حرب إلى أن مقياس ريختر هو المعيار المعتمد. وفقًا لهذا المقياس:الهزات التي تتراوح قوتها بين 1 و4 درجات تُعتبر بسيطة، لانها لا تسبب عادة أضرارًا مادية أو بشرية.الهزات التي تتراوح قوتها بين 4 و6 درجات قد تصنف إما كهزات أو زلازل متوسطة، حسب الطبيعة الجيولوجية للمكان و حجم الاضرار التي تنتج عنها . أما الزلازل التي تتراوح بين ٧ و ٩ درجات تُعد زلازل قوية وتؤدي إلى أضرار جسيمة في الابنية و في الارواح، كما حدث في زلزال ٦-شباط ٢٠٢٣ في تركيا و زلزال بيروت عام 551م الذي دمر المدينة بالكامل.

وفيما يتعلق بإمكانية التنبؤ بالزلازل، أكد الدكتور حرب أنه لا يمكن التنبؤ بدقة بحدوث زلزال معين. يعتمد العلماء على مبادئ جيولوجية مثل دراسة تاريخ حدوث الزلازل في المنطقة المعنية و حركة الصفائح التكتونية والفوالق . لكن مع ذلك لا يمكن تحديد وقت حدوث الزلازل او مكان حدوثها بالضبط .

كما أشار إلى أن التنبؤات مثل تلك التي يقدمها عالم الزلازل الهولندي فرانك هوجربيتس، التي تعتمد على نظرية حركة الكواكب بدلا من تحرك الصفائح التكتونية ليست معتمدة من المجتمع العلمي للجيولوجيين. أما بالنسبة للنشاط الزلزالي في لبنان فهو مرتبط بتحركات الصفائح التكتونية ومن اهمها الصفيحة الافريقية و الصفيحة العربية والاحتكاك فيما بينها، بالإضافة إلى الفوالق الجيولوجية مثل فالق اليموني في السفح الشرقي من السلسلة الغربية، وفالق سرغايا في سفح السلسلة الشرقية و فالق روم الذي يمر في بيروت باتجاه طرابلس.. اضافة الى ان لبنان و سوريا و فلسطين يقعون بالقرب من الانكسار الجيولوجي القوي في البحر الميت، مما يجعل المنطقة عرضة لهزات متكررة.حول العلاقة بين الحروب والنشاط الزلزالي، نفى الدكتور حرب وجود أدلة علمية قوية تدعم هذه الفرضية، لكنه أشار إلى أن انفجارات كبيرة قد تخلق فوالق ثانوية التي من الممكن أن تتطور فيما بعد و تؤدي إلى هزات.

أما بالنسبة للتغيرات المناخية، فقد أشار إلى أن لها تأثيرا في تغيّر التكوين الجيولوجي و خاصة ارتفاع مستوى المياه في المحيطات.. ولكن هذا التأثير ليس آنيًا و يتطلب سنينا” طويلا . أما الاحتياطات الواجب اتخاذها في حال حدوث هزة أو زلزال فينصح الدكتور حرب بضرورة الابتعاد عن النوافذ والأشياء القابلة للكسر ، وإخلاء المباني إن أمكن. كما أكد على أهمية إطفاء مصادر الكهرباء والغاز، وعدم استعمال المصعد الكهربائي والسيطرة على الهلع. ودعا الدكتور حرب الدولة و السلطات المحلية إلى تقييم سلامة المباني القديمة والعمل على ترميمها أو إزالتها إذا لزم الأمر، مشيرًا إلى ضرورة تحديث المعايير الهندسية للابنية والتشديد على احترام البنود في رخصة البناء التي تؤمن مقاومة الزلازل.

كما نوّه الدكتور حرب إلى أن الزلازل والهزات الأرضية قد تؤثر على المنشآت المائية في لبنان كالسدود و البحيرات المائية و بعض المجاري للمياه الجوفية ، مما قد يؤدي إلى تغييرات في مصادر المياه الجوفية. لذلك يجب التشديد على مراقبة بناء السدود في لبنان ، حيث يجب أن تتم وفقًا لمعايير السلامة العالمية لضمان مقاومتها لأي هزات أو زلازل محتملة. هذا الأمر يتطلب هذا متابعة دقيقة من الجهات المعنية لضمان استدامة الموارد المائية.كما وشدد الدكتور حرب على ضرورة تعزيز وعي الجمهور بالمخاطر الزلزالية من خلال وسائل الإعلام والبرامج التعليمية، داعيًا إلى توجيه المجتمع نحو اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لضمان سلامتهم في حال حدوث هزات أو زلازل و الابتعاد عن الهلع .

وحول وضع المباني في لبنان وفي حديث خاص ل “ديمقراطيا نيوز”، قال المهندس زياد حموضة، مهندس مختص في الهندسة الانشائية، و في دراسة المباني المقاومة للزلازل، إن الوضع الحالي للأبنية في لبنان، وبالأخص في مدينة طرابلس، يستدعي قلقًا كبيرًا نظرًا لعدم قدرة معظم الأبنية القديمة على مقاومة الهزات الأرضية والزلازل.

وأوضح المهندس حموضة أن “المرسوم 11266 الصادر عام 1997 كان يلزم دراسة الزلازل قبل البناء، لكنه لم يُطبق لأسباب تنظيمية وصدر في فترة حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورئيس الجمهورية السابق المرحوم إلياس الهراوي. لاحقاً صدر مرسوم جديد رقم 14293 عام 2005، والذي وضع آلية تنفيذية لدراسة الأبنية المقاومة للزلازل..وأضاف حموضة أن هذا المرسوم تم تعديله لاحقًا بمرسوم آخر رقم 7964 عام 2012، لتطبيق معايير السلامة العامة في الأبنية من ناحية دراسة الهزات والزلازل. وأصبح هناك إلزامية لدراسة الأبنية لمقاومة الزلازل”.

وأكد أن “جميع الأبنية التي تم بناؤها قبل عام 2012 هي غير مقاومة للهزات والزلازل بنسبة 90%”.وأشار حموضة إلى أن فترة التسعينات شهدت ثورة عقارية في لبنان أدت إلى سرعة في البناء وإقبال كبير على شراء الأراضي والعقارات، مما نتج عنه بناء الكثير من الأبنية غير المقاومة للهزات والزلازل، خاصة في المدن الكبرى مثل طرابلس وبيروت وصيدا.وأكد أن “نسبة 90% من المباني في طرابلس تحديدًا غير مقاومة للزلازل”.

وأوضح أن “الطابق الأرضي، إذا كان من الحجر أو العقد، قد يزيد من حدة التصدع أو انهيار المبنى، لأن زيادة وزن المبنى تؤدي إلى زيادة القوى الزلزالية عليه وبالتالي يزيد خطر الانهيار”.كما واكد إلى أن المباني تُقوّى لمقاومة الزلازل حسب أهميتها، حيث تُعطى الأولوية للمستشفيات والكنائس والمدارس والجوامع، مراكز حكومية ، مركز إطفاء ، ادارات رسمية مهمة ، مراكز إطفاء … وأضاف: “حتى لو بُنيت المباني العادية لمقاومة الزلازل، قد تتعرض للتصدع أو تشقق الجدران، لكنها تظل آمنة نسبيًا لتمكين الناس من الهروب دون الانهيار الكلي”.وفيما يتعلق بالحلول والنصائح، أكد حموضة أنه “لا يمكن الاعتماد على المواطنين لتحمل تكاليف تقوية المباني بسبب الوضع الاقتصادي الصعب”. وأوضح أن “سبب تهالك المباني في لبنان يعود بشكل أساسي إلى عدم وجود صيانة دورية، حيث يعاني العديد من المباني من اهتراء الحديد والباطون”.

وأوصى المهندس حموضة بضرورة تدخل الدولة لتشريع قوانين تسمح لأصحاب المباني بزيادة طابق أو طابقين على المباني القديمة، بشرط استخدام العائدات لترميم المباني وجعلها مقاومة للزلازل. وأضاف: “يجب إدخال المباني في مكاتب التدقيق الفني لضمان تأمين عائدات لمالكي الأبنية ليتمكنوا من ترميمها وجعلها مقاومة للزلازل، بالإضافة إلى إزالة المخالفات وتعديل قانون التسوية”.

وفي ختام حديثه، شدّد حموضة على أهمية إنشاء صندوق لمساعدة الناس في ترميم المباني لتصبح مقاومة للزلازل، وإعطاء جزء لتراخيص البناء المقاومة للزلازل، وأن تشمل هذه المعايير كل الأبنية، بما فيها المباني الصغيرة، لضمان سلامة الجميع في مواجهة المخاطر الزلزالية.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top