كتب صائب بارودي
يبدو أن حزب الله اعتمد سلاحًا حديثًا هو آخر ما تفتقت عنه عقليته العسكرية الفذّة هو عرض فيديوهات لأسلحته الحديثة والمستحدثة، كان آخرها عرض الأنفاق التي أقامها في الجنوب استعداداً لمواجهة العدو الصهيوني المرتقبة والمنتظرة وفق مقتضيات الظروف والمتغيرات الإقليمية وإيعازات وتوجيهات المرجعيات الخلفية.
تأتي هذه المستجدات ضمن سياسة التهويل بالثبور وعظائم الأمور والترويع التي اعتمدها الحزب في مواجهة العدو الصهيوني منذ بداية عملية طوفان الأقصى مرفقة ببعض المناوشات العسكرية والتي وضعها على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله أنها الحرب النفسية وهو عقاب أشد فاعلية من الحرب العسكرية، وهي ظاهرة مشبوهة الأهداف تبعث على الشك والريبة في الدوافع والخلفيات لإطلاق عملية طوفان الأقصى.
وانطلقت هذه السياسة مع مقدمة هذه التمهيدات التي صدرت عن نصرالله بأنه لو تم اقتحام غزة فسيبادر الحزب إلى اقتحام الجليل الأعلى.. تم توالت التهديدات والوعيد فيما لو تم اغتيال أي قيادي أو مسؤول فلسطيني أو لبناني في لبنان (الضاحية) فسيدفع الكيان الصهيوني ثمنًا غاليًا .. وقد قام العدو بغزو غزة وتدميرها وإبادة شعبها والتي تجاوز عدد شهدائها ٤٠ الفًا ومصابيها عشرات الآلاف ودمرت مدنها ومبانيها حتى سويّت بالأرض وتجاوز المشردون منها أكثر من مليون نسمة والمفقودين تحت الأنقاض ما زالوا مجهولي العدد والمصير.
ومن جهة أخرى تم اغتيال القيادي الحمساوي صالح العاروري في الضاحية الجنوبية وقيادات مختلفة الأحجام والأوزان في الحزب كان آخرهم فؤاد شكر في الضاحية أيضاً رغم أن السيد نصرالله كان بين الحين والآخر ينذر ويحذر من أن الإعتداء على الضاحية الجنوبية سيكون الرد قصف تل أبيب.
ولم تزل التهديدات والتحذيرات والإنذارات الصادرة عن الحزب وأمينه العام تحاصر الكيان الصهيوني دون فاعلية باستثناء بعض المناوشات والحرتقات العسكرية التي تدمر مبنى أو منشأة عسكرية أو تحرق أراضي هنا وهناك ضمن قواعد الإشتباك كما يُقال.
في الواقع إن ما يجري من توتر عسكري وأمني مع تصعيد نسبي وجزئي وفق ما تتطلبه الإتصالات والمحادثات والمفاوضات القائمة بين الأطراف المعنية بالملف في قطر والقاهرة تدخل أيضاً في قواعد الإشتباك واللعبة السياسية التي تسعى لإنجاز التسوية الإستراتيجية النهائية التي تجري التوافق عليها ومفاوضاتها في عمان بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران الراعيان الأساسيان لكل ما يحدث في المنطقة وتتضمن:
١- الملف الإيراني النووي.
٢- تحديد القوى الرئيسية النافذة في الشرق الأوسط وتوزيع مناطق النفوذ وثرواتها ومقدراتها فيما بينها على أن يعترف بالحضور الإيراني وترسيخ دوره الفاعل في المنطقة.
٣-تصفية القضية الفلسطينية أرضاً وشعباً مع عروض وإغراءات ترضى بها الأطراف كالتهجير مع تعويضات مالية ضخمة مقابل عدم العودة.
لذا، حيث تراءى للنظام الإيراني أن مفاوضات الملف النووي تتراجع خطواتها. وبدأ النظام العربي الرسمي يتجه إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني ،خشيت من أن تفقد حضورها ودورها وتأثيرها على الساحة السياسية الإقليمية ، فأوعزت إلى حماس بتنفيذ عملية طوفان الأقصى بذريعة الإنتقام والثأر لاغتيال قاسم سليماني كما صرح أحد مسؤولي النظام الفارسي حينها، وأصدرت توجيهاتها إلى أذرعتها الآخرين في لبنان (حزب الله) وفي اليمن(الحوثيين)وفي العراق (ميليشياتها المختلفة) للمشاركة ببدعة (الإسناد) ومصطلح (وحدة الساحات) مع الالتزام بعدم التصعيد والإستعانة(بالصبر الإستراتيجي).
وما زال استنزاف الوقت والمماطلة لإنضاج التسوية يسير تحت مظلة لقاءات وزيارات لوزير الخارجية الفرنسية الحالي والأسبق وما بينهما السفير، وزيارة وزير الخارجية المصري الحالي والسابق وما بينهما السفير، وزيارة وزير خارجية قطر ومراجعات السفير؟!
أما الممثل فوق العادة والذي يملك منفردًا اعلان القرار النهائي فهو “هوكشتاين” الأميركي الصهيوني المسموح بلقائه الوحيد والتفاوض مع حزب الله وعبر الرئيس نبيه بري؟!
وحتى ذلك الحين سيبقى لبنان وشعبه تحت رحمة الحرب النفسية وسلاح التهديد والوعيد التي يحتكرها حزب الله…