تحت شعار “لا عودة الى تسويات الماضي”.. كيف رسمت السعودية شكل علاقتها الجديد مع لبنان؟!..(2)

كتب عبدالله بارودي

جرت الانتخابات النيابية صيف العام ٢٠٢٢ ، وأظهرت النتائج عودة أغلبية القوى السياسية والطائفية التقليدية بإستثناء “تيار المستقبل” ، فحلّ مكانه لجهة “العدد” فريق سياسي ونيابي يمثّل قوى “الثورة” و”التغيير” والتي انبثقت عن مجموعات “ثورة ٢٠١٩ ” .. عاد نبيه بري رئيسًا لمجلس النواب، وجرى انتخاب الياس بو صعب (ممثل التيار الوطني الحرّ حينها) نائبًا له، وتشكلّت اللجان النيابية بشبه تحاصص معتاد بين قوى الموالاة والمعارضة. كما تمّ تسمية وتكليف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة ، جاءت من لونٍ واحد ، واستمرت الأمور على حالها في ظلّ واقعٍ اقتصادي يزداد انهيارًا يومًا بعد يوم!..

اتُخِذ القرار لدى القيادة السعودية بأن العلاقة مع لبنان الرسمي أصبحت شبه مقطوعة، لكن دون ان يؤثر ذلك على دعم المملكة للشعب اللبناني بكل أطيافه ، وهو ما ظهر ويظهر لغاية اليوم من خلال تقديمات “مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية” التي بلغت عشرات ملايين الدولارات شملت معظم المناطق اللبنانية!..

كما حافظ رئيس “دبلوماسيتها” في لبنان وليد بخاري على مساحة جيّدة مع مختلف الأفرقاء السياسيين من “القوات اللبنانية” وصولًا الى الرئيس نبيه بري. وحده “حزب الله” كان ولا يزال خارج الحسابات السعودية باعتباره جناحًا او ميليشيا “ارهابية” !..

لم تتغاض السعودية عن التفكير في واقع الساحة السنيّة، بل احترمت قرار وارادة ممثل ومرجعية الطائفة في لبنان سعد الحريري بتعليق عمله السياسي، وآثرت عدم التدخل، فلا دعمت، ولا زكّت، ولا فرضت أي شخصية او مرجعية سنيّة، بل تركت الساحة لأهلها، ليختاروا من يروه جديرًا بقيادة المرحلة..

وفي نفس الوقت ، بقيت المملكة على تماس واضح مع مختلف الشخصيات السنيّة من رئيس الحكومة الى الوزراء والنواب وطبعًا في الطليعة يأتي التنسيق مع المرجعية الدينية الاولى في الجمهورية “دار الفتوى” وسيّدها المفتي عبد اللطيف دريان..

قبل حوالي سنة ونيّف فاجأت قيادة المملكة المنطقة بأسرها بعقد الإتفاق السلمي مع ايران برعاية الصين في بكين تماشيًا مع رؤية الأمير محمد بن سلمان ٢٠٣٠ والتي لا يمكن ان تبصر النور الا وفق صيغة “صفر مشاكل” في المنطقة!..

كما ولدت اللجنة الخماسية للنظر بالإنتخابات الرئاسية في لبنان ، وبدا واضحًا منذ اللحظة الأولى لعملها وحراكها وما صدر عنها من بيانات وقرارات ، ان الكلمة “الفصل” ستكون لتوجّهات المملكة وسياستها الجديدة تجاه لبنان !..

وتزامن عمل اللجنة مع اعادة تدوير محركات الزيارات “الاستطلاعية” لبعض الوزارء والنواب الى الرياض كممثلين عن مرجعياتهم للقاء المسؤولين السعوديين للتشاور و”جسّ النبض” !.ض..

عادت المملكة بقوة و”دفعٍ” جديد الى الساحة اللبنانية ، لكن هذه المرة من دون أموال “للخزينة” ، بل لتساعد على بلورة شكلٍ سويّ ومتزن للادارة السياسية والإقتصادية في لبنان تحت مظلّة الدستور و”اتفاق الطائف”… فهي لن تختار ولن تفرض على اللبنانيين اسمًا بعينه لن لجهة رئاسة الجمهورية أو لناحية رئاسة الحكومة ، بل أوحت بتوصيات او نصائح ، ووجهّت رسائل ضمنية بما يكفي ليعرف رجالات “ساحة النجمة” من يختارون ولمن يقترعون!..

بعدها تراقب الخيار ونتائجه وتبني على الشيء مقتضاه ، فإما تتعلّم القيادة السياسية الجديدة من الماضي وتأخذ منه العبر ، فتختار مسار الشفافية ومحاربة الفساد والهدر أولًا ، وتطبيق جدّي للدستور و”اتفاق الطائف” بعيدًا عن أعراف “غبّ الطلب” والتعدي على صلاحيات الرئاسة الثالثة ثانيًا ، والعودة الى الحضن العربي ثالثًا ، فيتم منح لبنان كل مقوّمات الثقة والصمود والدعم المالي العربي والدولي، أو تختار الاستمرار وفق نفس النهج والطريقة السابقة في ادارة الحكم، وعندها فليتحمّل الجميع مسؤولياته !..

وبالمناسبة، هذا المُعطى يعلمه بالتأكيد النظام الإيراني ، بعد ان حاول ثلاث مرات توجيه رسائل مباشرة للقيادة السعودية للدخول معه في صفقة جديدة حول لبنان ، فكان الجواب السعودي دائمًا الرفض “الدبلوماسي” مع الشكر !… فلا تسويات في لبنان تؤدي حُكمًا الى تقويض واضعاف الدولة ، و ترهّل و انهيار مؤسساتها !..

أما علاقة المملكة مع اللبنانيين فستأخذ توجهًا مُغايرًا عنوانه “الشراكة” المباشرة مع مختلف شرائح المجتمع ، تأكيدًا على خيار قيادتها بالوقوف ومساندة الشعب اللبناني وتلبية احتياجاته وتطلعاته ، وهو المسار السعودي السائد اليوم مع كل دول المنطقة!..

مسؤول سعودي “رفيع المستوى” دخل يومًا الى موقع “الذكاء الإصطناعي” وطلب منه ان يقدّم له الخيار الأكثر رجاحة حول السبب الحقيقي وراء المشكلة اللبنانية أو الصراع في لبنان؟ ، وبعد استعراض آلاف الكتب والمراجع والمقالات والمصادر ، كان الجواب : “انعدام الثقة بين مكوّناته” ، وهذا دقيق للغاية ، يقول المسؤول السعودي!!.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top