الإمام المغيّب تمهيد للوطن المسيّب!.

كتب صائب بارودي

أيام قليلة وتحل الذكرى السنوية لإغتيال الإمام موسى الصدر أو كما اعتادوا على تسميته المغيّب،وحسب التقليد السنوي سيلقي الرئيس نبيه بري ببلاغته المميزة خطاباً يستذكر فيها الشهيد ومآثره ويستحضر كل مواقفه الوطنية وعطاءاته الفكرية ليثير مشاعر أتباعه ويجدد العهد والوعد التي تطلقه بيئته في مثل هذا اليوم من كل سنة.

وقبل أيام قليلة حلت الذكرى السنوية لوقف إطلاق نار المعارك التي اندلعت بين العدو الصهيوني وقوات حزب الله في الجنوب اللبناني في تموز ٢٠٠٦ ودامت ما قارب الشهر لحق نتيجتها الدمار والخراب في مختلف المناطق اللبنانية من الجنوب إلى الشمال مروراً بالعاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية طالت مختلف البنى التحتية والإقتصادية ، ليعلن السيد حسن نصرالله الأمين العام للحزب انتصاره على القوات الصهيونية رغم اعترافه بالخسائر الجسيمة التي لحقت بالدولة اللبنانية أرضاً وشعباً ومرافقاً واقتصاداً ليطلق مقولته المشهورة حينها: لو كنت أعلم..

وكان يقصد بذلك لو كان يعلم بما ستلحقه الحرب من نتائج مدمرة لما أقدم عليها؟!
وللمناسبة الثانية ارتباط وثيق بالمناسبة الأولى . حيث كانت عملية اغتيال الإمام موسى الصدر رحمه الله تمهيداً مبرمجاً للمناسبة الثانية وما تلاها من أحداث في الساحة اللبنانية.

قد لا يروق للبعض الإجابة على هذا التساؤل أو على الأصح كشف الخفايا وحقائق ما حدث في هذه المحطة المفصلية التاريخية الخطيرة التي أرخت بأثقالها ومساوئها على مسار السياسة اللبنانية وغيرت كل قواعدها المعهودة والمعتمدة في الدولة وبين الأوساط السياسية وقلبت كل المعادلات والاصطفافات على الصعيد الوطني والإقليمي.

عند قيام الثورة الإيرانية وتولى الإمام الخميني الحكم وضع دستوراً جديداً نص في مندرجاته مادة غير قابلة للإلغاء أو التعديل أو التغيير على نظام الدولة الإيرانية إسلامي ويتبع المذهب الشيعي الأمامي الإثني عشر لدعم شرعيته وتحصين مرجعيته لمئات الملايين المنتمين إلى هذا المذهب في الدول المختلفة وجعل مدينة”قُم” في طهران مقرها الديني بديلاً عن مرجعية “النجف” في بغداد، وعيَن المرشد الروحي للثورة الإسلامية وهو أعلى سلطة في البلاد.

ورغم أن الإمام موسى الصدر كان صديقاً متميزاً ومن أشد المقربين إلى الإمام الخميني وقد ساهم بدعم الثورة الإسلامية من بدايتها إلاّ أنه لم يتجاوب مع المتغيرات التي أجراها الخميني على ثوابت المذهب الشيعي متحفظاً على نظام ولاية الفقيه واستبدال مرجعية “النجف” بمرجعية”قُم” فأدركت القيادة الإيرانية الجديدة بخطورة الإمام الصدر على مشروعها المذهبي المشبوه وتطلعاتها التوسعية المستقبلية خاصةً في لبنان فقررت إقصاءه عن المشهد السياسي وبالتوافق والتنسيق مع النظامين السوري والليبي تم اغتياله خلال زيارته إلى ليبيا ليتحول إلى ما اصطلح على تسميته بالإمام المغيّب.
وكان رحمه الله ذا علم واسع وفكر وثقافة وعقيدة وطنية راسخة واعتدال ديني وانفتاح سياسي ، وحظي بمحبة وتقدير واحترام اللبنانيين بكل طوائفهم لذا اعتبروه معيقاً ومعرقلاً لمشروعهم الفتنوي الذي وضعوا أسسه الأولى في لبنان من خلال حزب الله وميليشياته المسلحة وتعزيز موقعه ونفوذه
وسطوته في بيئته.

وقد ساهم العدو الصهيوني بأسلوب مباشر على دعم هذا التوجه والمساهمة في تحقيقه عبر قيامه بتصفية فصائل الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية والتقدمية في الجنوب في الوقت الذي قام حزب الله بتصفية واغتيال الشخصيات الوطنية والتقدمية من الطائفة الشيعية في بيروت لتخلو الساحة اللبنانية أمام صولات وجولات حزب الله وهيمنته خاصةً بعد اشتباكاته مع حركة أمل في بيروت التي أدت إلى عقد اتفاق بينهما بإشراف سوري باعتباره راعياً لحركة أمل وإيراني باعتباره راعياً لحزب الله والذي قضى بانتقال حزب الله من بيروت إلى الجنوب للتواجد الدائم فيه وتوليه مهام التثقيف والتوعية بين أبنائه خاصةً بعد أن تم إبعاد كل القوى السياسية والمقاومة الوطنية والفلسطينية عن أرضه بعد قيام العدو الصهيوني باجتياح لبنان عام ١٩٨٢.

وبعد أن عزّز حزب الله وجوده في لبنان ورسّخ جذوره وحضوره ونفوذه جاء انسحاب القوات الصهيونية من الجنوب من طرف واحد مع عناصر جيش لحد في أيار عام ٢٠٠٠ لتخلوا الساحة أمام حزب الله ليبسط سيطرته وهيمنته على الجنوب اللبناني وأهله وبالتالي تزوده إيران بمختلف الأسلحة بذريعة المقاومة وتحرير البلدات الباقية تحت الإحتلال.
في ١٤ شباط ٢٠٠٥ قام حزب الله باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري باعتباره شخصية وزعامة وطنية لبنانية تعطل مشروعه الإيراني المشبوه.

في شهر تموز ٢٠٠٦ جرت معارك مفتعلة بين العدو الصهيوني وحزب الله للتغطية على ردود الفعل الشعبية الغاضبة على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والإدانة الشديدة لحزب الله، وانتهت الحرب بادعاء حزب الله الانتصار على العدو الصهيوني،وقد أكسبه هذا الادعاء تعاطف شعبي محلي وعربي وهو ما دفع مسؤول إيراني إلى دعوة حزب الله لترجمة انتصاره إلى مكاسب سياسية في السلطة اللبنانية.

ومنذ ذلك الحين بدأت تزداد هيمنة حزب الله وسطوته وسلطته على الأراضي اللبنانية إلى أن بلغت مصادرة القرار الوطني للدولة والقادم أخطر وأدهى وأشد بلاءًا.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top