بقلم تيريزا كرم
يعتبر ملف الكهرباء في لبنان من أكثر الملفات تعقيداً وإلحاحاً على مر العقود، إذ يعاني القطاع من أزمات متتالية أدت إلى تقليص التغذية الكهربائية وزيادة الاعتماد على المولدات الخاصة. في ظل هذه التحديات، يبرز الحديث عن إمكانية خصخصة القطاع أو اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص كحلّ محتمل. وبين مؤيد ومعارض، يبقى الهدف الأسمى هو تحقيق استقرار في توفير الكهرباء للمواطنين، والحدّ من العجز المالي المتراكم على الدولة نتيجة السياسات السابقة.
ضمن هذا السياق وفي حديث خاص لدمقراطيا نيوز، أوضح مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، سمير ضاهر، أن التوجه الحالي في قطاع الكهرباء في لبنان يميل نحو الشراكة بين القطاعين العام والخاص وليس الخصخصة. وأضاف ضاهر أن قطاع الكهرباء يتضمن ثلاث مراحل رئيسية:
- التوليد:
- يعتمد لبنان حالياً على محطات حرارية مثل الجية ودير عمار، ويملك حوالي سبع محطات حرارية تولد نحو 2000 ميجاوات. بعض المحطات مثل دير عمار والزهراني يمكن أن تعمل بالغاز الطبيعي.
- إلى جانب ذلك، هناك إنتاج للطاقة من المياه عبر مصلحة الليطاني، النهر البارد، وشركة قاديشا … هناك نحو 13 محطة توليد كهرمائية.
ضاهر أشار إلى أن أزمة الكهرباء الحالية ناتجة عن عدم القدرة المالية على استيراد الفيول وعدم تعديل أسعار الطاقة، مما دفع الشعب اللبناني إلى الاعتماد على المولدات الخاصة والطاقة الشمسية.
- النقل*:
- سيبقى قطاع النقل، بما في ذلك التوتر العالي، بيد شركة كهرباء لبنان كجزء من القطاع العام. يتم حالياً العمل على تصحيح الشبكة لضمان كفاءة النقل.
- التوزيع:
- بالنسبة للتوزيع، تم توقيع عقود مع شركات توزيع الكهرباء، ولكن هذه العقود بحاجة إلى تحديث وفقاً للظروف الحالية. الشراكة بين القطاعين العام والخاص
أكد ضاهر أن توليد الكهرباء سيتحول إلى شركات خاصة، حيث ستشتري الدولة إنتاج القطاع الخاص، وأشار إلى أن المشروع الذي يتم العمل عليه بالشراكة مع البنك الدولي سينفذ قريباً. كما أوضح أن مركز التحكم الوطني “National Control Center”، الذي كان في الطابق التاسع من مبنى شركة كهرباء لبنان قبل انفجار 4 آب وتم تدميره، يتم الآن إعادة بنائه بتكلفة 30 مليون دولار. هذا المركز سيمكن من مراقبة نقل واستهلاك الكهرباء وتوزيعها بشكل فعال، مما سيتيح تحديد الاستثمارات في القطاع الخاص.
بالنسبة لمستقبل توليد الطاقة، أشار ضاهر إلى أن المشروع يتجه نحو الاعتماد على الطاقة البديلة، حيث أن لبنان يتمتع بوفرة من الشمس والمياه.
الإيجابيات والتحديات
أكد ضاهر أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ستؤمن حوالي 12 ساعة من الكهرباء يومياً بحلول نهاية عام 2026. كما أن شركة كهرباء لبنان لن تكون بعد ذلك تحت العجز، وسيتم تقليل التكلفة على المواطنين بفضل اعتماد التوليد على الطاقة المتجددة.
وعن العقبات التي تواجه المشروع، أشار ضاهر إلى أن التحديات السياسية ما زالت قائمة، لكن العقبة الرئيسية تأتي من أصحاب المولدات الخاصة الذين يسعون للحفاظ على احتكارهم للسوق. ورغم ذلك، أكد أن الاتجاه الحالي صحيح وأن المشروع مع البنك الدولي يعد من أفضل المشاريع حتى الآن لتحسين قطاع الكهرباء في لبنان، وتقليل الهدر والسرقة.
في الختام، يبقى قطاع الكهرباء في لبنان أمام منعطف تاريخي؛ فبين الشراكة مع القطاع الخاص وتوجه الدولة نحو الطاقة المتجددة، هناك بصيص أمل في الأفق. إن نجاح هذه المشاريع مرهون بقدرة الدولة على تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية، وتقديم الحلول الفعّالة التي تسهم في تحسين حياة المواطنين وتخفيف العبئ المالي عنهم. يبقى الأمل قائماً في أن يشهد لبنان تحولاً حقيقياً في قطاع الطاقة، حيث تصبح الكهرباء خدمة مستدامة ومتاحة للجميع، بعيداً عن الأزمات المتكررة.