بقلم رفال صبري
لا شكّ أنّ مهنة الصّحافة مهنة محفوفة بالمخاطر، لا سيّما فيما يتعلّق بصحفي الحرب حينها تكون روحه على شفا حفرةٍ من النّار…لكن هل هذا مبرّر كافٍ لاستهداف الصحفيّين خلال تغطية أحداث غزّة؟
وفق إحصاء رصدته “وكالة الأناضول”، فإنّ 69 صحافيًّا كانوا قد فقدوا حياتهم خلال الحرب العالمية الثّانية، فيما قد بلغت حصيلة الصحفيّين القتلى منذ بدئ الحرب على غزة في السابع من أكتوبر إلى 73!
ولأنّ هذه المرّة استهداف الصحفيّين جاء متعمّدًا، وحاول العدوان جاهدًا إخفاء الحقيقة وتضليلها قدر الإمكان، ولا يُخفى كذلك، التعتيم والتضييق الإعلامي الّذي حصل على مواقع التّواصل الإجتماعي خوفًا من نشر الحقيقة.
تؤكّد ناهد يوسف مراسلة قناتي “العربية” و”الحدث” في حديثٍ لموقع “ديموقراطيا نيوز”، أنّ الصحفيّين في لبنان مهمّشون من قِبل الدّولة، إذْ لا تنظيم ولا إرشادات محدّدة لصحافي الحرب.
تضيف “يوسف”، إنّ الحرب اليوم غير مرسومة الملامح وهي أصعب بكثير من حرب تموّز على إعتبار أنّه لا يمكن التنبّؤ بمكان سقوط الغارة أو نقاط القصف.
تردف: “تواجهنا صعوبات أساسها أنّنا نتعامل مع عدو ليس لديه حدود ولا خطوط حمراء. ويبدو واضحًا هدفه هذه المرة باستهداف الصحفيّين إن كان في قطاع غزّة أو على الحدود اللّبنانية”.
تعبّر “يوسف” عن أصعب اللّحظات التي يعيشها مراسل الحرب عندما يصله خبر قصف أو استهداف مكان معيّن كان يغطيه قبل دقائق، فيشعر حينها أنّه نجا بأعجوبة، وفعلًا شعور لا يوصف من رعب وخوف خصوصًا إذا كان الاستهداف على مقربة من مكان التغطية فنحن لا نعرف متى وكيف يأتي دورنا؟!..
يبقى الصحفيّ “حامل روحه على كف؟ إيده” على الرغم ممّا ينصّ عليه القرار 1738 لمجلس الأمن الدولي على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام وما ينصّ عليه القانون الدّولي الإنساني في المادة 4 من إتفاقية جُنيف والمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأوّل إلى تمتّع الصحفيين بحماية خاصة خصوصًا صحفي الحرب وحمايتهم من الهجمات المباشرة في الأعمال العدائية.
الصحفي دائمًا في خطر نعم، لكن أين هذه القوانين والنصوص التي تحمي الصحفي في حالات النزاعات والحروب؟ أين مبادئ القانون الدولي الإنساني من استهداف فرح عمر وربيع المعماري؟ كلّها حبرٌ على ورق!
العدو الإسرائيلي يخوض حربًا بلا قيود، يضع قوانينها وفق مصالحه، ومصلحته الأولى من هذه الحرب هي التضليل الإعلامي وإخفاء الحقيقة وإبادة كلّ من يساهم في نشرها.
تشير بدورها زينة باسيل مراسلة قناة ال “أم تي في”، إلى أنّ التغطية اليوم هي تغطية مراقبة ومشاهدة إن كانت اعتداءات أو إطلاق صواريخ، وحتى غارات جوية على الحدود اللّبنانية، نحن لسنا على أرض الواقع ولا في قلب المعركة. لكن تطوّر الأمر حينما أصبح متعلّقًا باستهداف مباشر للصحافيين عبر طائرات مسيّرة أو حربية عبر الجوّ.
تؤكّد باسيل ” بعد حوادث الاستشهاد زاد الوعي أكثر من قِبل المؤسسات الإعلامية لأخذ الحيطة والحذر والالتزام بقواعد الحماية والحرص على بوالص التأمين للصحفيين.
فضلًا عن وجوب انخراط صحافي الحرب في عدة دورات توعوية لتعليمه كيفية حماية نفسه قدر المستطاع والانطلاق كمجموعة بهدف تلقي المساعدة في حال حدوث أي اعتداء، ومن الواجب تحلي الصحفي بالثقافة والمعرفة بنوع القذائف ومدى أضرارها ومدى وصولها ممّا يسهل عليه حماية نفسه.
أمّا نخلة عضيمة مراسل قناة ال “أم تي في” فيرى أنّ التغطية في الجنوب هذه المرة لها طابع خاص إذْ لا اعتبار لأي مواثيق دولية ولا قوانين ولا شرعة حقوق الإنسان التي تحمي المستشفيات والصحافيين بالدرجة الأولى، لا احترام من قِبل العدو الاسرائيلي، وبالتالي التغطية دقيقة وحذرة جدًّا.
أمّا بالنسبة للتغطية في أوقات الليل انعدمت نهائيًا لأن أي ضوء أو حركة قد تثير الشبهات وتؤدي إلى الاستهداف المباشر. أمّا في النهار التحركات أيضًا تضاءلت بعد حوادث الاستشهاد وباتت مدروسة أكثر، في حين أنّنا لا ندخل المناطق المستهدفة إطلاقًا.
يؤكّد عضيمة أنّه يستفيد من تطبيق الإجراءات اللازمة حول الحروب من النزاعات التي تلقاها من دورات عديدة في لندن وتلك التي نظمتها قناة ال “أم تي في” لصحفييها حول نوع القذائف والأسلحة الموجودة، كيفية الدخول والخروج من مكان الحدث، أساليب حماية الجسد وكيفية إخلاء المنطقة في حالات التطورات.
أخذ الحيطة واجب، لكن غدر العدو لا نجاة منه… وسيبقى ناشر الحقيقة هو الهدف الأوّل كما كانت فرح عمر تناشد بإعلاء صوت الحق قبل أن يغدر بها العدو وبزملائها ويبقوا ذكرى جهاد في طيّ التّاريخ.
السؤال هنا، إلى متى ستبقى شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وعقوباته تستثني العدو الإسرائيلي؟ وإلى متى سيبقى هذا الخرق أمرًا طبيعيًّا يجب أن يتعامل معه الصحافيّيون وإدارته بدلًا من مواجهته؟