وصلت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، التي تفاقمت بسبب التضخم المفرط والفقر وانهيار الخدمات الأساسية، إلى مستويات غير مسبوقة. وبينما يبدأ مجلس الوزراء عقد سلسلة جلسات لدراسة مشروع قانون موازنة عام 2025، فإن المضيّ قدماً في إعادة هيكلة الديون تقاطعاً مع هذه الوثيقة الحاسمة هو أمر ضروري، إذ إن ذلك لن يظهر التزام لبنان بمعالجة أزمته المالية فحسب، بل سيبعث أيضاً بإشارة قوية إلى الدائنين الدوليين. ونظراً إلى تعقيد هيكل الديون في لبنان وأهميته الجيوسياسية، من الضروري اتخاذ إجراءات سريعة لضمان ألا تؤدي التأخيرات إلى إغلاق الباب أمام الإغاثة التي تشتدّ الحاجة إليها، وهو أمر حاسم لمنع المزيد من التدهور في الاقتصاد والمجتمع.
يقول عضو لجنة المال والموازنة النيابية، النائب إيهاب مطر لـ”النهار”، إنه يمكن أن تؤدي التدابير المالية الصارمة إلى زيادة زعزعة استقرار البلاد، مما يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية. وينبغي أن يتحول التركيز من جداول السداد الصارمة إلى نهج أكثر شمولية يوازن بين التعافي المالي والاستقرار الاجتماعي. إن إدماج الاعتبارات الإنسانية في عملية التفاوض أمر حيوي لحماية رفاه المواطنين اللبنانيين وإرساء الأساس للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.
ويرى مطر أنه يجب على الدائنين، ولا سيما داخل نادي باريس وحاملي السندات من القطاع الخاص، أن يدركوا المخاطر المرتبطة بفرض تدابير تقشف صارمة في مثل هذه البيئة المتقلبة. وفي حالة لبنان، تعرّضت قدرة السكان على تلبية الاحتياجات الأساسية للخطر بالفعل، ويمكن أن يؤدي المزيد من الضغوط المالية إلى تفاقم المصاعب القائمة. فالنسيج الاجتماعي للبلد هشّ بالفعل، ويمكن أن يؤدي الضغط المالي المستمر إلى مزيد من عدم الاستقرار.
ويرى أن الأزمة الحالية، التي تنطوي على تحديات اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية، تمثل لحظة فريدة للبنان لإعادة التفاوض على التزامات ديونه. والتحرك الآن، فيما البلد في حالة من الضيق الشديد، يتيح إمكانية تأمين شروط متساهلة من الدائنين. وإذا انتظر لبنان التعافي اقتصادياً قبل الدخول في مفاوضات، فمن المرجح أن يطالب الدائنون بالسداد الكامل ويفرضوا شروطاً أكثر صرامة. في الوقت الحالي، تخلق الحالة الاقتصادية الضعيفة في لبنان والأزمة الإنسانية حجة مقنعة لتخفيف عبء الديون، بما في ذلك تمديد فترات السداد، وخفض أسعار الفائدة، أو حتى الإعفاء الجزئي من الديون. ومن شأن تأخير العمل أن يضعف موقف لبنان التفاوضي.
للأزمة الإنسانية في لبنان آثار بعيدة المدى خارج حدوده. وقد يؤدي الانهيار في لبنان، وفق مطر، إلى موجات من الهجرة وتفاقم التوترات في منطقة غير مستقرة بالفعل. ويشكل خطر نشوب الصراعات، الناجم عن تدهور الأحوال المعيشية وتصاعد التوترات الإقليمية، تهديداً خطيراً للأمن الدولي. إن أهمية لبنان الاستراتيجية في الشرق الأوسط تعني أن انهياره لن يؤثر فقط على الدول المجاورة بل سيجذب أيضاً قوى عالمية ذات مصالح راسخة في المنطقة. لذلك، يجب على الدائنين الدوليين العمل على منع الأزمة الإنسانية في لبنان من التصاعد إلى كارثة إقليمية.
ويشدد على ضرورة إثبات أن تخفيف عبء الديون ضروري لمنع وقوع كارثة إنسانية، ما يمكن للبنان أن يعزز موقفه التفاوضي.