أدت الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى تغيير قواعد مراقبة الغذاء وانتشار ماركات غير معروفة لم يخضع كثير منها إلى الفحوص المخبرية للتأكد من مأمونيتها وسلامتها وجودتها.
وانطلاقاً من هذا الواقع المستجد على مسار اختيار المنتجات الغذائية والبحث عن بدائل أقل كلفة، وجد المستهلكون اللبنانيون أنفسهم أمام خطر من نوع آخر تكون نتائجه الصحية الأسوأ.
هل يعرف اللبنانيون ما يأكلونه حقاً؟ ماذا عن الماركات الجديدة التي ظهرت بعد الأزمة الاقتصادية وغزت رفوف السوبرماركات والمحال التجارية؟ هل من يراقب المنتجات بشكل مستمر ونشر النتائج بصورة دورية للحفاظ على #سلامة الغذاء والأمن الغذائي في لبنان؟
يشرح الأستاذ والباحث في علوم الغذاء في الجامعة اللبنانية الأميركية حسين حسن أنه “في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، نعرف جيّداً أن مستوى الرقابة الغذائية ليس على قدر التطلعات لأسباب عديدة أهمها إضراب القطاع العام، تغيّر نمط الاستهلاك في لبنان، اللجوء إلى بدائل أرخص… وانطلاقاً من ذلك، كان البحث عن المنتج الأكثر استهلاكاً الذي لم تتمّ دراسته سابقاً، وهذا ما يفسّر اختيارنا “لل#كورن فلكس” أو رقائق الذرة باعتباره مستهلكاً من كل شرائح المجتمع. كما أن هذا المنتج مصنّع محلياً وقسم منه مستورد، وهذا يساعد على مقارنة النوعين. أضف إلى ذلك أن الأزمة أثرت على انقطاع ساعات التغذية الكهربائية وبالتالي نحن أمام مشكلة أخرى تتمثل بسوء التخزين (ارتفاع الرطوبة يزيد من مخاطر تكاثر العفن وفرز #السموم الفطرية).
البداية كانت بدراسة ما يحتويه الكورن فلكس من سموم فطرية، في حين يتطلع معدو الدراسة إلى توسعها في المستقبل لتُحاكي نسبة الاستهلاك اليومي لهذا المنتج لمعرفة مدى تأثير هذه النتائج على صحة اللبنانيين على المدى الطويل. وأجرت هذه الدراسة الجامعة اللبنانية الاميركية (د. حسين حسن) وجامعة بيروت العربية (د. ندى الدرّة).
تعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها في العالم العربي لتقييم سلامة الكورن فلكس من ناحية السموم الفطرية، بالإضافة إلى أنها شملت كل المنتجات الموجودة في السوق ولم تكتفِ ببعض الماركات والمنتجات.
يوجد في لبنان 35 نوعاً من الكورن فلكس لنحو 10 ماركات (وتضم بعض الماركات أنواعاً مختلفة وليست محصورة بنوع واحد) ولكل نوع باركود خاص به.
ويوضح حسن أنه “تم جمع كل أنواع الكورن فلكس الموجودة وإجراء فحص لخمس سموم فطرية هي: deoxynivalenol (DON)، ochratoxin A (OTA)، zearalenone (ZEN)، aflatoxin B1 (AFB1) و fuminisin (FUM). وهنا يُطرح السؤال الأهم عن مخاطر هذه السموم الفطرية على صحة الإنسان؟
تأثير السموم الفطرية على الصحة:
– aflatoxin B1: يؤثر على الكبد، يبدأ بمشاكل بسيطة وصولاً إلى خطر الإصابة بسرطان الكبد.
– ochratoxin A: يؤثر على الكلى.
– Fuminisin: بالإضافة إلى تأثيره على الكبد والكلى، يؤثر على الجهاز العصبي.
– zearalenone: يؤثر على الجهاز المناعي و التوازن الهرموني وبالتالي على الخصوبة.
– deoxynivalenol: يؤثر على الجهاز الهضمي والمناعي وعلى الخصوبة.
وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية تحذر من aflatoxin B1 بشدة لأنه أكثر سمّ فطري يفتك بالصحة.
استخدم معدو الدراسة وفق حسن تقنية “إلَيزا (ELISA) معترف بها من الاتحاد الأوروبي، وقد فُحص المنتج 3 مرات للتأكد من صحة النتائج. ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة علمية محكمة ( Q1) “Scientific reports”.
بالعودة إلى العينات التي تمّ فحصها، كانت موزعة بين 16 منتجاً محلياً و19 مستورداً من (فرنسا- أوكرانيا- تركيا- بولندا – بريطانيا). واستناداً إلى النتائج فهي تحتوي على:
* 3 عينات من أصل 35 عينة من الكورن فلكس على aflatoxin B1 أي ما يعادل 9 في المئة تتخطى المعدل المسموح به من الاتحاد الأوروبي.
* 6 عينات تحتوي على ochratoxin A أي ما يعادل 17 في المئة تتخطى المعدل المسموح به من الاتحاد الأوروبي.
* 21 عينة تحتوي على deoxynivalenol أو ما يعادل 60 في المئة من العينات التي تتخطى المعدل المسموح به من الاتحاد الأوروبي.
وتعليقاً على هذه النتائج، يشدد حسن على أنها بمثابة “جرس إنذار للجهات المعنية لتشديد الرقابة الغذائية، ومع ذلك لا تدعو هذه النتائج إلى الهلع أو إثارة الخوف من منتجات الكورن فلكس الموجودة في لبنان. والهدف من هذه الدراسة تسليط الضوء على أهمية اختيار المنتج والأهم مساعدة المستهلك على تخزينه بالشكل الصحيح تفادياً لأي مخاطر صحية”.
كما أظهرت النتائج أن من أصل 5 سموم فطرية تبيّن وجود سمّين فطريين ( هما aflatoxin B1 و Fuminisin ) بالمنتجات المحلية تحتوي على مستويات أعلى مقارنة مع المنتجات المستوردة.
كذلك اختلفت نسبة السموم الفطرية بشكل واضح وجلي بين المنتجات غير المعروفة والمنتجات المعروفة ووجود 3 سموم فطرية في المنتجات غير المعروفة وهي zearalenone و aflatoxin B1 و Fuminisin.
ويشير حسن إلى أهمية التخزين الصحيح، ويمكن أن تزيد نسبة السموم الفطرية في حال تعرضت لسوء تخزين في المنزل. وبالتالي تعتبر النتائج أو النسب التي استخلصتها الدراسة مطمئنة بما يتعلق بالمنتجات الموجودة في السوق في حين نجهل كيفية تخزينها في المنزل وما يتعرض له المنتج من حرارة أو رطوبة عالية.
لذلك ننصح عند فتح كيس الكورن فلكس أن نعاود إغلاقه بإحكام ووضعه في مكان ذي تهوئة جيدة بعيداً عن الرطوبة العالية أو الحرارة.
أما بالنسبة إلى دور الجهات المعنية، قد تكون هذه النتائج بمثابة جرس إنذار لتكثيف الرقابة الدورية خصوصاً في ظل انتشار منتجات جديدة غير معروفة، وهل فعلاً أخذت عينات من المنتجات الجديدة للتأكد من سلامتها أم أن الفوضى تتحكم بالسوق الغذائي وأمنه؟