بقلم هند هاني
واقعة شاذة أذهلت وفاجأت الشعب المصري فكيف يمكن لطبيب نساء وأيضًا أب أن يعتدي جنسيًا على بناته الثلاثة وهنّ قاصرات و يعاشرهن جنسيًا معاشرة الأزواج و يحتجزهن داخل فيلته ب”التجمع” التابعة لمحافظة القاهرة، ومنعهن من أي تواصل مع الآخرين حتى لا يكشفن سرّه؟!..
و قد كشفت التحقيقات الأولية أن الطبيب الذي يحمل الجنسية المصرية و جنسية إحدى الدول الأجنبية انفضحت فعلته “الدنيئة” بعد ان قامت ابنته الكبيرة بتصوير مقطع فيديو لوالدها أثناء التعدي جنسيًا على شقيقتها الصغرى، ثم أبلغت على الفور السفارة الأجنبية بجريمة اغتصابهن من قبل والدهم و بأن معها فيديو كدليل اثبات أن والدها هو الطبيب الذئب الذي تجرّد من كل معاني الأبوة، وقام بعلاقات جنسية معهن تحت التهديد و التعذيب و الحبس !!..
و للاطلاع أكثر على نوعية هذه الجرائم المعروفة ب “زنا المحارم” وأسبابها ، أجرى “ديمقراطيا نيوز” حوارًا مع الطبيب المصري وليد هندي استشاري الصحة النفسية، ليكشف لنا عن دوافع هذا الأب المجرم و الإضطرابات التي قد يكون يعاني منها تسببت في قيامه بهذه الجريمة المحرّمة ، و ما هي عمومًا أسباب “سفاح القربى”، والآثار النفسية المترتبة على الفتيات الثلاثة ضحايا هذه الجريمة ، و تحليله النفسي لهذه الواقعة؟…
يقول الدكتور هندي ، أن هذه الواقعة تعدّ “زنا المحارم” وتُسمى علميًا “سفاح القربي”، أي نشاط جنسي بين شخصين من عائلة واحدة تربطهما صلة قرابة تمنع إقامة العلاقة الجنسية بينهما وفقًا للمعايير الدينية، الإجتماعية، الثقافية، او أي إثنين من عائلة واحدة يمارسان الجنس من المفترض عدم ممارسته، لأنها من العلاقات المحرمة ، و هو ما حدث في هذه الواقعة عندما قام الأب بممارسة الجنس مع بناته الثلاثة.. ويُعدّ “زنا المحارم” من الظواهر الإجتماعية المسكوت عنها في مصر و البيئات العربية، و ليس له دراسة واضحة.. ففي عام 1991 قام المعهد الدولي في روما بعمل دراسة على 36 دولة و منهم دول عربية أثبتت أن 10٪ من عيّنة البحث تعرضوا ل”زنا المحارم” و هي نتيجة كبيرة جدًا. وأول من مارسها في التاريخ هم القدماء المصريين “الفراعنة”، ومنهم الأسر الحاكمة و المالكة قديمًا، حيث كانت تلجأ له من أجل الحفاظ على نقاء الدم في السلالة الملكية الحاكمة. وما يجدر ذكره ، ان 75٪ من الحالات التي تم الإبلاغ عنها تحت مُسمى “زنا المحارم” كانت نتيجة زنا الأب مع إبنته.
أسباب سفاح القربى
ويؤكد الدكتور هندي أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى زنا المحارم ، فقد تكون ناتجة عن ظروف معيشية معينة و منها أن الأب ينام بجانب إبنته في الفراش و يعيشون في غرفة واحدة وتكون عارية أمامه طوال الوقت والمكان صغير وضيّق فيقوم بالاحتكاك بها ، وعندما تدخل في مرحلة المراهقة يبدأ في أن يبطئها، كما يكون ناتج أيضًا عن اضطرابات الشخصية “السيكوباتية” التي لديها إجرام اجتماعي و لا يلتزم بالقيم و الأعراف و النظم و ينتهك أي قوانين ويفعل المحرّمات ، فهو اذًا مجرم اجتماعي..
اضطرابات انفصام الشخصية والمخدرات
ويتابع ” هندي ” أن اضطرابات انفصام الشخصية عند الانسان الذي يمارس “زنا المحارم” بحكم كونه منفصم عن الواقع، لأن هذا الاضطراب يصوّر له بأن يزني مع الأطفال و المقربين، و أيضًا تناول الكحول والمخدرات له آثار نفسية كثيرة يؤدي إلى “زنا المحارم” ، لذلك حين يتم القبض عليهم لا يتذكرون شيئًا عما فعلوه، بفعل وقوعهم تحت تأثير و تعاطي المخدرات.. وهناك الضعف العقلي، فالأطفال الذين لديهم تراجع في الإدراك يكون من السهل التعدي عليهم جنسيًا بإعتبارهم لا يتحدثون ولا يعرفون كيفية الإفصاح عن هذا الأمر..
اضطراب” البيدوفيليا”، والتقليد والمحاكاة
ويشير هندي الى أن هناك اضطراب نفسي شهير جدًا يؤدي إلى “زنا المحارم” وهو “البيدوفيليا” الذي ينشأ عندما يكون أحد أفراد الأسرة لديه هوس وعشق جنسي بالأطفال، فيقوم بالزنا مع المقربين إليه ، و هناك 30 ٪ من الذين وقع عليهم هذا النوع من الإعتداء الجنسي سنّهم ما دون التاسعة ، و هو السن الذي يظهر فيه اضطراب “البيدوفيليا”..أيضًا التقليد والمحاكاة، أي عندما يرى أحد أفراد الأسرة أن أباه يفعل هذا الفعل الشائن مع شقيقته ، فيتوحّد نفسيًا أو يتقمص شخصية الأب فيقوم بعملية تقليد ومحاكاة و يمارس الجنس مع شقيقته!..
اضطرابات العلاقة الزوجية والأسرية
و يضيف هندي أن الزوجة عندما ترفض العلاقة الحميمية مع زوجها يبدأ في البحث عن طريقة أخرى لتفريغ الطاقة الجنسية و لو في غير محلها ، فيلجأ مثلا إلى النوم مع إبنته.. كذلك اضطرابات العلاقات الأسرية بصفة عامة ، لأن بعض الأسر تكون ممزقة و ليس لديها أي إحساس بأي حرمة ، من هنا تختلط الأمور عليهم فيمارسون الجنس مع بعضهم البعض!!.. و من الأشياء المسكوت عنها، بعض المفاهيم الإجتماعية الموروثة، و تنتشر هذه الحالات في صعيد مصر عندما يسافر الزوج لعدة سنوات خارج البلد ، فيلجأ والده إلى إشباع رغبات زوجة ابنه الجنسية حتى لا تقدم على خيانته مع رجال آخرين، و تكون والدته على معرفة بذلك الأمر لحين عودته من السفر إلى زوجته و هي تحمل طفلًا لديه عدة سنوات دون أن يعاشرها بنفسه كزوج!!..
ضعف النظام الأخلاقي و الفقر والتكدس
ويوضح هندي أنه يوجد أسر لديهم ضعف في النظام الأخلاقي و لا يراعون الضمير ، ويجهلون مفهوم الخصوصية فيقتحمون الغرف بدون استئذان ، وليس لديهم تربية جنسية صحيحة لأبنائهم مع ضعف السلطة الوالدية، فالأب في هذه الحالة ليس لديه أي مانع في تطميع الآخرين بأولاده و زوجته ودفعهم للقيام بالزنا ، و كذلك الفقر و الازدحام و التكدس يكونوا سببًا في ذلك.. ويوجد إحصائية في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 30% من الأسر في مصر تقيم في غرفة واحدة مؤلفة من 7 أفراد ، أو نظام عدة عائلات يعيشون في شقة واحدة فيلجؤون الى ممارسة زنا المحارم!!.. و لا ننسى دور الإعلام المستمر الذين يشحن الناس ويقوم باللعب على غرائزهم عبر شبكة الإنترنت و سهولة تداول الفيديوهات الإباحية على جميع وسائل التواصل الاجتماعي مثل اليوتيوب، والواتساب ، والانستغرام، والتيك توك و غيرها، فهي تسهّل على الشخص أن يتحوّل الى مجرم، من خلال تغيير مفهومه الأخلاقي نتيجة ما يشاهده من فيديوهات جنسية.
الآثار النفسية المترتبة على الفتيات الثلاثة
و يكشف ” هندي ” أن الآثار النفسية المترتبة على الفتيات الثلاثة ضحايا هذه الجريمة الشنعاء كثيرة جدًا، ومنها مشاعر الخوف و الغضب و الارتباك، نتيجة ما حدث لهن، وبما سيحدث مستقبلًا ، ولديهن أيضًا القلق المزمن من أي شئ مجهول و خجل و خزي و عار، و في بعض الأحيان قد يلجأ ضحايا زنا المحارم الى تعاطي المخدرات و الكحوليات، و يكون لديهم اهتزاز في الثوابت و اختلال في القيم ، و صعوبة اقامة علاقات جنسية سوية في المستقبل بسبب معاناتهم من مشاعر عاطفية مضطربة ، و لديهم اكتئاب و حب للجوء الى العزلة و الانفرادية..
“زنا المحارم” جريمة تحتاج الى نظرة و وقفة اجتماعية صارمة ، و تسليط الضوء عليها اعلاميًا بصورة أكبر في مصر ، لأنها ظاهرة منتشرة بشكل مرعب و مخيف، لا يجب علينا ان نخجل من مواجهتها و دفن رؤوسنا في الرمال كالنعام!!..