كان لبنان مساء الأربعاء مقسّماً بين شاشتين… وكان اللبنانيون ومعهم العالم، يرصدون واحدةً تنقل مشهد دمار بلد بفعل محور أدخله عصر السواد ويكاد يأخذه إلى الاضمحلال، ويتابعون أخرى تنقل أمل بلد بالعودة إلى الحياة الطبيعية التي ينبغي أن يحياها أبناؤه.
في الشكل كان العرض المبهر للمصمّم اللبناني العالمي إيلي صعب “the 1001 Seasons”، فنياً جمالياً، جمع نجوماً من لبنان والعالمين العربي والغربي. لكن في المضمون كان العرض رسالة لمن يعنيهم الأمر، أنّ لبنان مهما اشتدّت عليه المحن ومهما صار لا يشبه نفسه، فأبناؤه لن يستسلموا لأمر واقع فُرض عليهم. وسيبقى المبدعون اللبنانيون قبلة العرب، يستعينون بهم في مناسباتهم ومهرجاناتهم لإضفاء لمسات الأناقة والجمال عليها.
كلّ ما كانه لبنان قبل أن تدور عليه الأيام، وكلّ ما ينبغي أن يكونه دائماً، شاهده اللبنانيون والعرب والعالم عبر الشاشات من العاصمة السعودية مساء الأربعاء في “موسم الرياض”.
هناك حضر لبنان الأناقة والإبداع والفن والجمال. حضرت بيروت بعناوينها التي عرفها بها العرب والعالم، على امتداد تاريخها الحديث، قبل أن تشوّهها ثقافات وسياسات لا تشبهها ولا تشبه ناسها.
حمل إيلي صعب إبداعه ولبّى دعوة رئيس الهيئة العامة للترفيه في المملكة العربية السعودية المستشار تركي آل الشيخ، للاحتفال بــ 45 عاماً على تأسيس دار إيلي صعب الشهيرة للأزياء، التي أضحت “ماركةً” عالمية مسجّلة باسم مبدع من لبنان ألبس نجمات وطنه والعالم ما حاكته مخيّلته الفنيّة.
لبنان الذي كان في الرياض، بعدما صارت السعودية ما صارته بفعل “رؤية 2030” التي ارتأتها قيادتها منذ سنوات وما زالت تواصل تنفيذها، سيعود يوماً ليتكامل على أرضه معها وليشكّل من جديد واسطة العقد بين محيطه العربي الطبيعي المعتدل.
ولكم أن تتخيّلوا ما سيكونه لبنان والدور الذي سيؤدّيه مع أشقائه يوم يستفيق بعض اللبنانيّين ويحاسبون من أودى بأرزاقهم إلى الدمار وأرواح أحبّائهم إلى الهلاك، ويوم يقرّر المغيّبون الآن بانتصارات وهميّة أن يصير إسنادهم الأول والأخير لوطنهم قبل إسناد مشاريع المحاور التي لا تشبه تاريخنا بشيء.
ثقافة الموضة
ضمن فعاليّات “موسم الرياض” وبرعاية “الهيئة العامة للترفيه” قدّم إيلي صعب أكثر من 300 فستان يحاكي المرأة العربية والعالمية بمختلف ثقافتها وطموحاتها، في عرض جمع بين الفن والموسيقى والجمال والإبداع والإبهار.
رفع صعب ثقافة الموضة عالياً في عرض عالمي يحمل رؤية ساحرة للمستقبل، أحياه كلّ من جينيفر لوبيز، وكاميلا كابيلو، ونانسي عجرم، وعمرو دياب، والختام كان لسيلين ديون.
بعد سرد مسيرة إيلي صعب في عالم الموضة، قدّم العرض مواضيع مختلفة، عكست التراث العربي والرؤية المعاصرة. 90 عارضة أزياء حملن فساتين إيلي صعب على منصّة العرض وارتدين تصاميم أضفت إلى الأنوثة جانباً من الخيال. فساتين برّاقة تناغمت ألوانها بين العاجي والبيج والأسود والرمادي والبوردو والأبيض والأزرق والذهبي.
ولأنّ النجمات يدركن أنّ إيلي صعب عنوان للأناقة والإبداع، يخترنه من دون تردّد متوقّعات منه دائماً الإبهار والضخامة. وهذا ما عبّرت عنه النجمة اللبنانية نانسي عجرم لحظة وصولها إلى السجادة الحمراء فقالت “تُتّهم المرأة أنها تمضي وقتاً طويلاً بالنظر إلى المرآة أما أنا فأمضي وقتاً أطول أمام المرآة حين أرتدي فستاناً من تصاميم إيلي صعب”. أما النجمة نادين نسيب نجيم فاعتبرت أنّ “كلّ شخص يبدع خارج حدود وطنه هو فخر لكلّ وطن، ونجاح إيلي صعب هو فخر لكل لبناني”.
عندما تتحقّق الأحلام
افتتحت العارضة العالمية كانديس سوانيبول، وهي أشهر عارضة أزياء وأعلاهنّ أجراً، عرض “ألف موسم وموسم”. ثمّ أطلّت النجمة العالمية هالي بيري على المنصة كضيفة شرف مرتدية فستاناً من تصميم إيلي صعب سبق أن ارتدته عام 2002 حين فازت بجائزة الأوسكار كأول نجمة أميركية – أفريقة تفوز بالجائزة، وكانت حينها نقطة تحوّل في مسيرة صعب خلال مشواره إلى العالمية.
تلت بيري على المنصّة، الفنانة الاستعراضيّة جي لو بعرض عالمي قدّمت خلاله أغنيات “waiting for tonight” و “on the floor”، ثمّ “Let’s get loud song” مرتديةً لكلّ أغنية تصميماً خاصاً من تصاميم صاحب الحفل.
احتفاء بجمال المرأة
ولأنّ إيلي صعب سعى طوال مسيرته في عالم الموضة والجمال إلى إبراز جمال المرأة وأنوثتها، اختار الاحتفاء بها في حفله بأزهار بارزة باللون الزهري والبنفسجي والأخضر والأبيض والتي شكّلت حدائق ورود متوهّجة على منصة العرض.
في هذه الفقرة، غنّت كاميلا كابيلو أغنيتها “أو نانانا” واستبدلتها بـ “سعودية نانانا”، معبّرةً عن حماستها بالقدوم إلى العالم العربي، حيث تدرّبت على بضع كلمات باللغة العربية ردّدتها على السجادة الحمراء مثل “مرحباً” و “شكراً” وغيرهما.
وتميّزت المجموعة بتصاميم نسّقها صعب مع كل فستان، توضع على الرأس مزيّنة بالريش والألماس على شكل تيجان الأميرات.
التعمّق بالتفاصيل
ولأنّ الإبداع لا يكتمل إلّا بالتعمّق في التفاصيل، تأنّى إيلي صعب بالإبحار بعيداً بأدق التفاصيل مع كل قطعة من تصاميمه، فاختار اللون الأزرق تجسيداً لرحلته الطويلة في عالم الحبكة والتصميم، وخطت عارضاته خطوة تلو الأخرى على المنصة كحوريّات بحر بفساتين ذات أكمام طويلة انسدلت حتى لامست الأرض، مع إضافات جماليّة تعشقها النجمات على كلّ تصميم.
الفنانة اللبنانية نانسي عجرم كانت نجمة هذه الفقرة، فأطلّت بفستان أزرق مؤدّية أغنية “حاسه بيه” و “تيجي ننبسط”. بعدها قدّم عمرو دياب أغنيته الشهيرة “نور العين” التي رقصت عليها النجمة سيلين ديون في كواليس العرض.
ألف شروق وشروق
وانفجرت مشاعر الحاضرين كما المشاهدين مع ظهور النجمة سيلين ديون مختتمةً عرض إيلي صعب بفستان ذهبي برّاق، مؤدّيةً أغنيتها الشهيرة “the power of Love”. حماستها على المسرح دفعت العديد للوقوف والتصفيق لها ومعها، على وقع أغنيتها “I’m Alive”. ليعتلي صعب المسرح في ختام العرض، إلى جانب سيلين ديون، وتنضمّ إليهما النجمات والعارضات، فكانت التحيّة الأخيرة للحضور، لتبقى في الذاكرة صورة جديدة من النجاحات التي عمل عليها إيلي صعب طيلة 45 سنة بجهد وإصرار وتفانٍ.
المصدر:نداء الوطن.