“أقبح الزنى زنى القلم”!

بقلم محمد حندوش

الكلمة في كثير من الأحيان تحيي وتميت ، ولكن أكثر الناس لا يدركون ذلك، ولقد بقي القلم عبر التاريخ أفتك سلاح عرفته البشرية، فقد تفتح الكلمة عقولاً وقلوباً، وكم من حقيقة قصر البيان عن إبرازها وإخراجها للناس فظلت في بئرها العميق، لأنها لم تجد قلمها المنير، وكم من قضية ضاعت في هذا الأثير عندما غابت الأقلام وامتنعت أن تكون رئة تنعش ما تبقى من آمال وأحلام..

ولعل الخطر الأكبر أن تُستعمر الأفكار قبل أن تُستعمر الأراضي، وأن تُسرق القناعات قبل أن تُسرق الثروات، وأن تغتال الحقيقة قبل أن تُغتال الشخصيات، فحقق أهل الفكر بأقلامهم ما عجزت السياسة عن تحقيقه، وحرروا بفكرهم ما عجزت الجيوش عن صنعه، فكان الإعلام بحق السلطة الأولى وليس السلطة الرابعة.

ولقد مشت الكلمة بجانب البندقية في رحلة الذود عن الأوطان، فكم من معركة أبطالها الأدباء وفرسانها المفكرون وقادتها الإعلاميون وساحاتها العقول، والغباء كل الغباء أن نكون فراغاً تسكننا فلسفات الآخرين لتهدم فينا روح التواصل، وتقتل أواصر اللقاء ، وتقفل فيما بيننا مساحة اللقاء الفكري ، لتبنى حواجز نفسية بين أبناء المجتمع الواحد.

ولقد سددت الكلمة قسطها للعلى حين نذر نُخبةٌ من الناس أقلامهم لكشف زيف المبطلين وتحريك ركود الشعوب، من خلال تقديم وجبات فكرية شكلت إطاراً مضيئاً للجماهير، إذ أثبت التاريخ بأن نفط البلاد هي عقول مفكريها فكانوا ثروةً مكنونةً في أوطانهم. وكانت الكلمة ولا زالت إرهاصاً يسبق أي تفوق أو تقدم، بل هي تأشيرة دخول لأي مجتمع يبحث عن موطئ قدم له في عالم المثل والقيم.

ولم يسبق لأمة أن حجزت لنفسها على خارطة الحضارة، وأثبتت حضورها في عالم الحداثة والتطور، إلا باحترام أدبائها ومفكريها ليكونوا البوصلة الحقيقية لأي نجاح أو تقدم.

ولقد تعرض الإعلاميون والمفكرون خلال مسيرة الحياة لاستهداف مباشر نتيجة إيمانهم وقناعاتهم، وباعتبارهم مصدر إلهام لأي نضال أو قضية.
وكل قضية رابحة حققتها الأوطان كان المفكرون في طليعة المواجهة، وكان الإعلاميون رأس حربة في المواجهة الفكرية.

هي دعوة موجهة لكل الأنامل والعقول أن تدلي بدلوها في مجرى الأحداث، وساحة الوجدان فلعلّ هوة بيني وبينك تردمها فكرة أو تبددها كلمة أو تمحوها جرأة.
ولأهمية الكلمة ودورها في التاريخ كانت اللغة العربية رائدة اللغات، فكان أسلافنا الأمة الوحيدة في التاريخ التي أنشأت سوقاً للكلام، فقد كان الشعراء والأدباء يبيعون قصائدهم في سوق عكاظ، ما يؤشر وبشكل واضح إلى أهمية الكلمة ودورها في رسم هوية المجتمع والوطن والأمة.

فكثيراً ما تقع الحقيقة ضحية للمجاملين، وتكون جنازةً للمرائين، فنجد غالب الناس يخفيها هروباً من الواقع، أو تجنباً لإحراج أحد فتلعنه الحقيقة من حيثُ لا يعلم.

من هنا فإن الأدباء والمفكرين والإعلاميين مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى أخذ زمام المبادرة في هذه الظروف الاستثنائية، لتشكيل جبهة نضال فكري تكون خارطة طريق للأجيال القادمة دون مجاملة أو مداراة لأن “أقبح الزنى زنى القلم”!.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top