
يشهد المشهد السياسي اللبناني حالة من الترقب الحذر في ظل المساعي الحثيثة لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام، حيث تتصدر مشاورات التأليف الأولويات الوطنية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والتحديات الإقليمية. يأتي ذلك، في وقت تسود فيه حالة من الإسترخاء النيابي والسياسي، وسط استمرار التجاذبات حول توزيع الحقائب الوزارية، وفقاً لما تنص عليه المادة 95 من الدستور اللبناني، التي تحدد التوازنات الطائفية والسياسية في تشكيل الحكومة.
المشاورات الحكومية: مسار معقد واتصالات مستمرة
يعمل الرئيس المكلف نواف سلام، على وضع معايير واضحة لاختيار الوزراء، ترتكز على برنامج حكومي إصلاحي، يهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، وإطلاق عملية إعادة الإعمار، مع التركيز على الانفتاح على المجتمعين العربي والدولي. وتشير المعلومات، إلى أن سلام أطلع قائد الجيش جوزاف عون على نتائج مشاوراته السياسية، سعياً للوصول إلى صيغة حكومية متوازنة.
وبحسب مصادر مطلعة، قدّم سلام لرئيس الجمهورية، صيغة أولية تضمنت توزيعاً مبدئياً للحقائب الوزارية، مع بعض الأسماء المقترحة، إلا أن التشكيلة لم تكتمل بعد بسبب استمرار النقاش حول بعض الحقائب الأساسية. كما أن مسألة التمثيل الشيعي لا تزال قيد البحث، مع وجود توجه نحو الإبقاء على توزيع الحقائب كما كان في الحكومة السابقة.
التحديات في توزيع الحقائب والتوازنات الطائفية
يواجه الرئيس المكلف تحديات كبيرة في توزيع الحقائب الوزارية، لا سيما في ما يتعلق بالتمثيل المسيحي، حيث لا تزال الأسماء المقترحة تتغير وفقاً للتعديلات على توزيع الوزارات. في المقابل، حُسمت بعض المناصب، مثل اختيار فايز رسامني من الحصة الدرزية، إضافة إلى تأكيد وجود وجوه نسائية في الحكومة المقبلة.
من جهة أخرى، يجري الرئيس سلام جولة جديدة من المشاورات لضمان تمثيل متوازن، حيث أكد رئيس الجمهورية ضرورة الإبتعاد عن الصراعات السياسية والمحاصصة، مشدداً على أهمية تمثيل الطوائف من خلال شخصيات مستقلة وتمتلك كفاءة عالية.
التكتلات النيابية ومسألة التمثيل الوزاري
تشير المعلومات إلى أن سلام التقى وفداً من “تكتل الاعتدال الوطني”، الذي ضم النائبين وليد البعريني ومحمد سليمان، حيث تمت مناقشة حصة منطقة عكار في الحكومة المقبلة. وقد حصل التكتل على تعهد بإسناد حقيبة وزارية، لأحد الشخصيات المقترحة من المنطقة، لكن لم يُحسم بعد اسم الوزارة. كما بحث الرئيس المكلف مع النائب فيصل كرامي مسألة تمثيل “تكتل التوافق الوطني”، حيث طالب كرامي بمنح التكتل الحق في اختيار الحقيبة والوزير المناسب لها، مؤكداً على ضرورة المساواة بين جميع الأطراف.
إلى ذلك، يواجه سلام انتقادات من بعض الكتل المسيحية بسبب غياب آلية واضحة لتوزيع الحقائب، إذ وضع معايير صارمة لاختيار الوزراء، تتضمن الإبتعاد عن التمثيل الحزبي والسياسي المباشر، ما أثار اعتراضات، خاصة من “تكتل لبنان القوي”، الذي أشار إلى أن بعض المرشحين يُخفون انتماءاتهم الحزبية من خلال واجهات جمعياتية.
ولادة الحكومة: بين الضغوط السياسية والمهلة الزمنية
في ظل استمرار المشاورات، تشير التوقعات إلى أن ولادة الحكومة قد تتم خلال أيام قليلة، إما في نهاية الأسبوع الجاري، أو منتصف الأسبوع المقبل، وذلك وفقاً لما تم التفاهم عليه بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، حيث من المتوقع أن تتبلور الصورة النهائية بعد انتهاء جوجلة الأسماء والحقائب.
في المقابل، ترى مصادر سياسية أن تأخير إعلان الحكومة قد يكون مرتبطاً بانتظار موقف الدول الداعمة، خاصة مع استمرار التجاذبات بين القوى السياسية حول توزيع المناصب الوزارية، وضرورة تحقيق توازن يضمن نجاح الحكومة في تنفيذ برنامجها الإصلاحي.
وأخيراً، يقف لبنان أمام مرحلة حاسمة تتطلب تشكيل حكومة، قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، بعيداً عن التجاذبات التقليدية والمحاصصة الحزبية. ومع استمرار المشاورات، يبقى السؤال المطروح: هل تنجح القوى السياسية في تجاوز الخلافات وإفساح المجال لحكومة كفاءات قادرة على تحقيق الإصلاحات، أم ستبقى المعوقات السياسية عائقاً أمام الإنقاذ المنتظر؟..
المصدر: اللواء