
يكثر الحديث عن الدولة العميقة في لبنان، وهي ليست كياناً واحداً متماسكاً، بل شبكة نفوذ متداخلة تعكس الطابع التعددي للبلاد، حيث تتوزع بين الطوائف المختلفة، بما فيها المسيحية والسنية والشيعية والدرزية. فمنذ نشأة الجمهورية عام 1943، اعتُبرت الدولة العميقة ضمانةً للاستقرار، لكنها انهارت أمام التغيرات الإقليمية والصراعات الداخلية.
ضمن الإطار المذكور، وخلال فترة السيطرة السورية، لم يكن النفوذ مقتصراً على الرئاسات والحكومات، بل امتد إلى مفاصل الدولة كافة، حيث أعاد النظام السوري هيكلتها بما يضمن ولاءها له. ومع خروج الجيش السوري عام 2005، حاول “حزب الله” وراثة هذا النفوذ، لكنه لم يتمكن من السيطرة الكاملة بسبب طبيعته الطائفية، إلا أنه احتفظ بمفاصل حيوية عبر سلاحه، مثل القرار الاستراتيجي، بعض المواقع الإدارية والأمنية، وتعطيل مؤسسات الدولة عند الحاجة.
في المقابل، شهد لبنان مراحل مختلفة من الهيمنة على الدولة العميقة، من السيطرة السورية الشاملة حتى 2005، ثم فترة نفوذ “حزب الله” على القرار الإستراتيجي دون احتكار السياسة بالكامل، حتى 2024.
واليوم، ومع انتهاء المشروع العسكري للحزب وسقوط حلفائه الإقليميين، تتاح فرصة لاستعادة الدولة زمام الأمور، شريطة وجود قرار سياسي حاسم.
لذلك، قد يكمن إن التحدي الأكبر حالياً، في قدرة الدولة على التحرر من التعطيل الذي يمارسه “حزب الله”، حيث يسعى للإبقاء على نفوذه عبر السيطرة على التعيينات في الحكومة والإدارة. وإذا استمر هذا النهج، فسيظل لبنان غارقًا في الفوضى المؤسساتية.
أخيراً، يتركز الحل في إمكانية الإنتقال من الدولة المركزية التي يسهل تعطيلها إلى اللامركزية الموسعة، مما يُضعف قدرة أي طرف على التحكم المطلق بمسار البلاد. فبدون هذه الخطوة، سيبقى لبنان ساحة للصراعات، بدلاً من أن يكون دولة مستقرة قادرة على فرض سيادتها واتخاذ قراراتها بعيدًا عن النفوذ الخارجي والداخلي.
المصدر: نداء الوطن، شارل حبّور