
يشهد المشهد السياسي في لبنان تعقيداً متزايداً مع استمرار العراقيل أمام تشكيل الحكومة الجديدة، وسط تصاعد الضغوطات الدولية، لا سيما الأميركية، لعرقلة تمثيل “حزب الله” في السلطة التنفيذية. ضمن الإطار المذكور، أن فشل الاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا لم يكن مجرد تعثّر في الاتفاق على توزيع الحقائب الوزارية، بل شكّل فرصة لقطع الطريق أمام محاولات “الثنائي الشيعي” فرض هيمنته على القرار الحكومي.
في المقابل، تشير مصادر دبلوماسية غربية في بيروت إلى أن التصعيد ضد “حزب الله” يتجاوز مسألة تسليم سلاحه إلى تعطيل تأثيره السياسي، الذي مكّنه سابقًا من تشكيل حكومات خاضعة لنفوذه.
فالسلاح لم يكن فقط أداة عسكرية، بل وسيلة فرض إرادة سياسية من خلال الترهيب والتمويل الخارجي. وفي هذا السياق، نقلت واشنطن موقفًا رسميًا رافضًا لتمثيل الحزب في الحكومة، حتى عبر شخصيات غير محسوبة عليه ظاهريًا.
ورغم أن بعض الأسماء المقترحة لم تكن مدرجة على قوائم العقوبات الأميركية، إلا أن ذلك لا يعني الموافقة على تعيينها، كما حدث مع النائب ياسين جابر، الذي لم تعترض عليه السفيرة الأميركية ليزا جونسون، لكنها في الوقت نفسه لم تؤيّد توزيره.
إلى جانب الضغط الأميركي، يعكس الموقف السعودي تحفظًا واضحًا على شكل الحكومة المزمع تشكيلها، خاصة في ظل مشاركة “حزب الله”، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.كما، وتشير المعلومات إلى أن أي حكومة تُخضع قراراتها للحزب وتهديداته، لن تحظى بأي دعم اقتصادي أو تنموي، سواء على صعيد إعادة الإعمار أو معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد.
كذلك، لقد بلغت الضغوطات الدولية مستوى غير مسبوق، حيث تؤكد المصادر أن القرار الكبير اتُّخذ بسحب تأثير “حزب الله” وتقليص دوره في لبنان، ولا مجال لأي التفاف على هذا المسار. فالحزب لا يزال متمسكًا بسلاحه، ويواصل تعزيز ترسانته العسكرية عبر عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود السورية-اللبنانية، إضافة إلى تأمين مصادر تمويله من إيران بطرق متعددة، ما يزيد من التوتر الدولي اتجاه دوره الإقليمي.
في المقابل، تعكس أجواء اللقاءات السياسية في بعبدا انقسامًا واضحًا، حيث يسعى الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام إلى فرض خيارات جديدة، من خلال تسمية الوزير الشيعي الخامس بأنفسهم، في خطوة تهدف إلى تقليص نفوذ “الثنائي الشيعي” في الحكومة.من ناحية أخرى ، يرفض الحزب أي تمثيل مسيحي يُفرض عليه خارج تحالفاته التقليدية، مما ساهم في زيادة من تعقيد المشهد السياسي..
في ظل هذا التصعيد، تنصح الدوائر الدبلوماسية الغربية بعدم التسرّع في تشكيل الحكومة، ما لم تكن التوازنات السياسية واضحة وقادرة على مواجهة نفوذ “حزب الله”. وتؤكد أن استمرار الحزب في فرض أجندته السياسية، سيؤدي إلى تصعيد ميداني وربما إعادة طرح خيار المواجهة العسكرية، في ظل غياب الحلول السياسية المتاحة حاليًا.
ما يجري حاليًا ليس مجرد خلاف سياسي داخلي، بل هو جزء من معركة إقليمية ودولية تهدف إلى إعادة رسم موازين القوى في لبنان.
وأخيراً، يبقى السؤال: هل سيتمكن الفرقاء السياسيون من تجاوز الضغوط الخارجية والتوصل إلى تسوية، أم أن البلاد مقبلة على مرحلة أكثر تعقيدًا؟
المصدر: نداء الوطن، أنطوان مراد