تعطيل حكومي وصدام سياسي على وقع التحولات الدولية

انتهى الاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا الذي جمع رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام، على وقع خيبة أمل كبرى.
فبعد الأجواء الإيجابية التي رافقت الإجتماع، والتفاؤل الذي عكسته الابتسامات المتبادلة في الصورة الرسمية الموزعة على وسائل الإعلام، عادت العقبات السياسية لتفرض نفسها مجدداً، مع إصرار الرئيس بري على تسمية الوزير الخامس، في خطوة فسّرها البعض على أنها محاولة لإحداث “انقلاب مضاد” على الرئيس المكلف والعهد الجديد.
في مقابل المساعي التي يبذلها الرئيس عون ونواف سلام للالتزام بالإشارات الدولية والداخلية الموجهة نحو بناء دولة قائمة على مبادئ السيادة والإصلاح، ظهر مشهد يعكس توجهاً مغايراً، حيث غادر بري من الباب الخلفي، ما أضفى بعداً إضافياً على حالة التوتر السياسي.
وقد شكّل طرح اسم القاضي عبد الرضا ناصر بديلاً عن لمياء مبيض لتولي حقيبة التنمية الإدارية، مفاجأة غير متوقعة للرئيسين عون وسلام، خاصة بعد الإتفاق المسبق بينهما و”الثنائي” على أن يكون قرار التسمية بيد الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية. هذه الخطوة أكدت رغبة بري في الاحتفاظ بورقة الميثاقية واستخدامها كأداة تعطيل متى شاء.
من ناحية أخرى، يزداد المشهد السياسي تعقيداً مع بروز العامل الأميركي في خلفية المشهد، حيث يبدو أن “الثنائي” لا ينظر بعين الرضا إلى الانطلاقة الجديدة للعهد، المدعومة إقليمياً ودولياً. ويأتي ذلك بالتزامن مع اقتراب وصول وفد أميركي رفع “الفيتو” بوضوح على مشاركة “حزب الله” في الحكومة، ما جعل البعض يعتبر أن طرح اسم الوزير الشيعي الخامس، قبل هذه الزيارة هو محاولة استباقية لفرض واقع سياسي معين.
وكما من الملاحظ، أنه ومنذ بداية العهد الجديد، مارس “الثنائي” سلسلة من الضغوط السياسية لإعاقة مسار الرئيس عون، بدءاً من الجلسة النيابية لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث رفع بري الجلسة لمدة ساعتين تحت ذريعة التشاور، في حين كان الهدف الحقيقي فرض شروط معينة قبل إتمام الانتخاب. كما قاطع “الثنائي” الاستشارات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف في مجلس النواب، ما دفعه إلى زيارة عين التينة لإنهائها بشكل غير رسمي، كما امتنع عن تسميته خلال الاستشارات الملزمة في قصر بعبدا.
كذلك، حذّرت مصادر سياسية من أن هذه الممارسات، لا تؤدي فقط إلى تعطيل العملية السياسية، بل قد تلحق ضرراً كبيراً بالحضور السياسي للطائفة الشيعية ككل، إذ إن التمسك بسياسات متصلبة في وجه المتغيرات الإقليمية والدولية قد تكون له تداعيات غير محسوبة. وأشارت إلى أن “الثنائي” أمام فرصة مهمة لإعادة التموضع السياسي، بما يتلاءم مع المستجدات، إلا أن التعنت الحالي قد يؤدي إلى تحولات غير متوقعة في المعادلة السياسية اللبنانية.
في ظل هذه المعطيات المذكورة، قد تتجه الأمور نحو تشكيل حكومة أمر واقع، ما يعني أن “حزب الله” و”حركة أمل” لن يحصلا على المكاسب السياسية التي كانا يسعيان إليها في التشكيلة الحكومية الأخيرة. فلبنان بعد الحرب الأخيرة لا يستطيع تجاهل التحولات الدولية الكبرى أو التصادم مع المجتمعين العربي والدولي، وخاصة الولايات المتحدة، التي وجّهت رسالة حازمة إلى “حزب الله” تزامناً مع وصول نائب المبعوث الخاص للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إلى بيروت.
كذلك، كشف مسؤول في الإدارة الأميركية لوكالة “رويترز” أن أورتاغوس ستنقل موقفاً صارماً إلى المسؤولين اللبنانيين، مفاده أن واشنطن لن تتساهل مع النفوذ غير المقيّد لـ”حزب الله” وحلفائه في تشكيل الحكومة، وأن لبنان قد يواجه عزلة أعمق وانهياراً اقتصادياً إذا لم يُقدِم على إصلاحات حقيقية تحد من نفوذ الحزب.
وأخيراً، أضاف أن الولايات المتحدة لا تتدخل في اختيار الوزراء بشكل فردي، لكنها ترفض بشكل قاطع مشاركة “حزب الله” في الحكومة. كما شدد على أن الحزب خسر في الحرب الأخيرة، ويجب أن يبقى في موقع الضعف، معتبراً أن المرحلة الحالية تفرض على الحكومة اللبنانية التأقلم مع الواقع الجديد.

المصدر: نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: