
بقلم تيريزا كرم
وسط أجواء سياسية مشحونة وتحديات متزايدة، أطلقت “الكتلة الوطنية” مبادرة “نداء بيروت 25” في فندق فينيسيا – بيروت، بمشاركة شخصيات سياسية و نيابية و اجتماعية بارزة.
فما هي الأسباب التي دفعت لإطلاق هذا النداء؟ و ما هو الهدف منه؟
في هذا السياق، و في مقابلة خاصة مع “ديموقراطيا نيوز”، يؤكد الدكتور علي مراد، أستاذ القانون العام و الناشط السياسي أن “نداء بيروت 25” يأتي في ظل تحوّلات كبرى يشهدها لبنان، و هذه التحوّلات تستدعي البحث عن أطر سياسية جديدة و مختلفة.
و يوضح أن هذه المبادرة تشبه تجارب سابقة جمعت أفراداً وأحزاباً و شخصيات سياسية لإطلاق موقف واضح بشأن استعادة الدولة اللبنانية و التأكيد على سيادتها على كامل أراضيها، مع التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية كأولوية أساسية.
توقيت النداء لا علاقة له بتشك يل الحكومة
و في ما يتعلق بالاتهامات التي تشير إلى أن النداء هدفه مراقبة عمل الرئيس المكلّف نواف سلام في تشكيل الحكومة ومن ثم المسار الحكومي الذي سيتّبعه نفى مراد أي علاقة بين المبادرة و تشكيل الحكومة. وشدّد على أن النداء و المجموعة التي تقف خلفه تعمل منذ آب الماضي، أي قبل تكليف سلام، حيث اجتمع هؤلاء الأشخاص، الذين يعرفون بعضهم من مراحل سياسية مختلفة، للتفكير في أولويات العمل السياسي، مضيفًا أن التوقيت تزامن مع تشكيل الحكومة و لكنه غير مرتبط به.
تحولات سياسية دفعت لتأجيل الإعلان
و يشير مراد إلى أن الفترة التي سبقت الإعلان عن النداء شهدت سلسلة من الأحداث الكبرى، منها الحرب الإسرائيلية على لبنان، سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، اتفاقية وقف إطلاق النار، انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون، انتخاب نواف سلام و تشكيل الحكومة، إضافة إلى الانسحاب الإسرائيلي الذي لم يكتمل. و يؤكد أن هذه التحولات الكبيرة كانت سبباً في تأجيل الإعلان، لكن حين تم اختيار توقيت الإعلان، لم يكن مرتبطاً بتشكيل الحكومة أو أي حدث سياسي بعينه.
تحديات توحيد الصفوف قبل انتخابات 2026
وعن سؤال حول ما إذا كان النداء يسعى لتوحيد صفوف المعارضة استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة في 2026، أوضح مراد أن التحدي الأكبر يكمن في تجميع المجتمعين، خاصة أن المشاركين في نداء بيروت 25 ينتمون إلى خلفيات سياسية متنوعة. و يضيف: “الفكرة ليست في خلق حركة موحدة تدمج الجميع تحت مظلة واحدة، بل في وجود تجمعات متعددة يمكنها التنسيق بفعالية استعداداً للمعارك السياسية المقبلة، بما في ذلك انتخابات 2026.”
النداء ليس حركة اختزالية
و يؤكد مراد أن النداء لا يسعى لاختزال كل الأطراف السياسية في لبنان، بل هو مجموعة من الأشخاص اجتمعوا بناءًا على أفكار و آراء و تجارب سابقة، و طوّروا علاقاتهم السياسية لتشكيل جسم سياسي جديد. و يضيف أن المجموعة تدرك وجود أجسام سياسية أخرى، و ستكون سعيدة إذا تواصلت هذه الأجسام وتجمّعت لاحقاً.
خارطة الطريق والمراحل المقبلة
بعد الإعلان عن النداء، يرى مراد إلى أنه تم عقد جلسة مغلقة، لكن خارطة الطريق لا تزال مرتبطة بانتظار تشكيل الحكومة وتطور الأحداث السياسية. و يؤكد أن هناك مواقف سياسية ثابتة ستصدر قريباً، إلى جانب تواصل مع قوى سياسية أخرى. و ستشمل الخطوات المقبلة الانخراط أكثر في المشهد الوطني و توسيع دائرة المشاركين في النداء ليشمل أطرافاً أخرى، بحيث لا تكون القرارات صادرة عن أفراد فقط، بل عن جسم سياسي واسع يعكس التنوع اللبناني.
في نفس السياق، و في لقاء خاص مع “ديموقراطيا نيوز”، يؤكد عضو اللقاء النقيب نعمة محفوض أن مبادرة “نداء بيروت 25” انطلقت بدعوة من الكتلة الوطنية، التي جمعت عدداً من الشخصيات و المجموعات و النواب. ويوضح أن هذا الحدث سبقته فعالية مماثلة في طرابلس، عُرفت بـ”نداء طرابلس”، عُقدت في الرابطة الثقافية قبل حوالي شهر بدعوة من “لائحة انتفض”، وشارك فيها شباب من مختلف مناطق الشمال يطمحون للتغيير.
تحية للشعب السوري ودعم للعهد الجديد
و يشير محفوض إلى أن اللقاء الذي عُقد في طرابلس تزامن مع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، حيث وجّه المجتمعون تحية للشعب السوري، وأكدوا دعمهم لرئيس الجمهورية جوزيف عون و الرئيس المكلف نواف سلام، مشددين على ضرورة الاستمرار في نهج التغيير لإنقاذ لبنان مما وصفه بـ”حالة الهريان” و اللادولة التي يعيشها منذ أكثر من 20 عاماً.
تركيز النقاش في بيروت على الحكومة وسيادة الدولة
و يوضح محفوض أن النقاش في بيروت تركز على تشكيل الحكومة وشكلها، إضافة إلى خطاب القسم. و يشدّد المشاركون على ضرورة أن تتألف الحكومة من شخصيات تكنوقراط، مع ضمان انسجامها الداخلي و عدم وجود ثلث معطل داخلها. و يضيف أن النداء لا يستهدف الأحزاب، لكنه يطالب بأن تكون الحكومة ملتزمة بتطبيق خطاب القسم، مع بيان وزاري لا يتضمن معادلة الجيش و الشعب و المقاومة. و يؤكد على أهمية التركيز على سيادة الدولة وحصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية، و تطبيق “اتفاق الطائف” و الدستور كأولوية قصوى.
توحيد التجمعات السياسية تحت مظلة الدستور والطائف
و يشير محفوض إلى أن نداء “بيروت 25 ” جاء إلى جانب عدة تجمعات أخرى، مثل “نداء طرابلس” و”المنبر الوطني للإنقاذ” الذي عُقد قبل شهر. كما أعلن عن إطلاق تجمع سياسي جديد تحت عنوان “الدستور أولاً” في 16 آذار، و الذي سيضم شخصيات وطنية من مختلف أنحاء لبنان. و يؤكد أن الهدف من هذه التجمعات هو توحيد الجهود لتشكيل غطاء شعبي داعم لتطبيق خطاب القسم و إنقاذ البلد من فوضى السلاح و السعي إلى تطبيق القانون على الجميع بشكل متساوٍ، بالإضافة إلى الدفع باتجاه إصلاحات شاملة في قطاعات مثل التربية، الكهرباء، والعدالة، لا سيّما في قضية تفجير مرفأ بيروت.
دعم صريح لنواف سلام
و يؤكد محفوض أن هذا اللقاء يدعمه في الخطوات التي يقوم بها. مشيرًا إلى أن أكبر دليل على هذا الدعم هو عدم التوصل لاتفاق بين نبيه بري و سلام خلال الاستشارات الحكومية حول الاسم الخامس للطائفة الشيعية. و يضيف أن النداء يرفض أن يستحوذ الثنائي الشيعي على الحقائب الخمس المخصصة للطائفة الشيعية، مما يؤدي إلى تشكيل ثلث معطل في الحكومة. مؤكدًا أنهم يدعمون أن يكون الاسم الخامس من اختيار نواف سلام و رئيس الجمهورية جوزيف عون.
الطائف و الدستور أساس العمل السياسي
ويشدّد محفوض على أن كل اللقاءات السياسية الأخيرة، بما في ذلك نداء “بيروت 25″، تنعقد تحت شعار “تطبيق الطائف والدستور أولاً”. ويؤكد أن الرئيس نواف سلام ملتزم بتطبيق الدستور، قائلاً: “الرئيس سلام يطبق الكتاب”. و يضيف أن المرحلة المقبلة لن تشهد انقساماً بين معارضة وموالاة، لأن معظم المعارضة أصبحت داعمة للعهد و الحكومة المقبلة، مع مراقبة كيفية تطبيق خطاب القسم. ويؤكد: “نحن داعمون لهذه الحكومة ونرفض وجود أي دويلات داخل الدولة”.
انتخابات 2026… تغيير مرتقب
وفي ما يتعلق بانتخابات 2026، قال محفوض: “قد يخلق الله ما لا تعلمون”، لكنه يشير إلى أنه يتوقع تغييراً كبيراً جداً في المشهد السياسي. ويوضح أن نداء “بيروت 25 ” و غيره من المبادرات لا تهدف إلى التحضير للانتخابات النيابية، بل تركز على إنجاح هذا العهد وتحقيق خطاب القسم وتطبيق الطائف كما هو، لأن هذا العهد بحسب محفوض “طوق نجاة للبلد”
“نداء بيروت 25” يفتح باباً جديداً للنقاش حول مستقبل العمل السياسي في لبنان. فسواء كان هدفه تصويب المسار السياسي أو دعم العهد الجديد، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه المبادرة في إحداث التغيير المطلوب، أم ستبقى مجرد صوت جديد في مشهد سياسي مأزوم؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.