
بقلم تيريزا كرم
عشرون عاماً مرّت على الرابع عشر من شباط، يوم اغتيل فيه الحلم في قلب بيروت. عشرون عاماً على الجريمة التي لم تكن مجرد انفجار استهدف رجلاً، بل كانت محاولة لاغتيال وطن بأكمله، لرمي لبنان في ظلام الفوضى والانقسام.
رفيق الحريري، ذاك الرجل الذي آمن بلبنان الواحد، بوطن المؤسسات لا الدويلات، بالدولة القوية لا الفوضى، قُتل لأنه كان يحمل مشروعاً أكبر من مصالحهم الضيقة، لأنه كان يرى في لبنان أكثر من ساحة صراع.
لكن الحقيقة لا تموت. والعدالة، وإن تأخرت، وجدت طريقها. لأن من اغتال رفيق الحريري، اغتال روح لبنان، و فتح باباً على جحيم لم و لن يغلق حتى يسقط كل مشروع قتل الوطن.
رفيق الحريري لم يكن مجرد رئيس وزراء، كان الأب، الصديق، و القائد.
رجل أعاد للبنان نبض الحياة بعد سنوات الحرب، بنى الحجر والبشر، و أعاد الثقة بوطن كاد يفقد نفسه. علّم أجيالاً، وأحيا بيروت من تحت الركام، رافضاً أن يُقسّم لبنان إلى طوائف و مذاهب، و مؤمناً أن قوة لبنان في وحدته، و في شعبه.
اليوم، و نحن نستذكره بعد عشرين عاماً، لا زال صوته يصدح في الأفق: “لا أحد أكبر من بلده.” و رغم محاولاتهم لإسكات هذا الصوت، فإن رفيق الحريري باقٍ في ذاكرة وطن
في ذكرى اغتياله: داوود الصايغ لـ”ديموقراطيا نيوز”: رفيق الحريري كان حاكمًا ذا قضية و لبنان يفتقده أكثر مع مرور الوقت
في مقابلة خاصة مع “ديموقراطيا نيوز”، استحضر الدكتور داوود الصايغ، مستشار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ذكرى الرابع عشر من شباط، مؤكدًا أن ما كان يجمعه بالحريري ليس مجرد مواقف عابرة، بل مسار طويل من العمل الوطني المشترك، حيث حظي بشرف و حرص مرافقة “بناء” من بناة الأوطان، كما وصفه.
و قال الصايغ: “الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان من آخر الكبار الذين دعموا هذا الكيان اللبناني و صيغته و تجربته. ليس لأن لبنان يخلو من الكبار، بل لأن الحريري حمل قضية اعتبر نفسه مؤتمناً على مصير بلد خرج من حرب ظالمة دامت 16 عامًا.
لم يكن لبنان بحاجة فقط إلى إعادة إعمار مادي، بل إلى إعادة إعمار بشري، و لهذا السبب اعتبر لبنان قضيته.
كان مسؤولاً و حاكمًا ذا قضية، و لم يكن راغبًا في المنصب لأسباب شخصية.”
و أضاف: “كان لي الحظ أن أرافقه في جميع رحلاته الخارجية، حيث رأيت كيف دمج كبار قادة العالم اسمه باسم لبنان، فبات يمثل هذه التجربة بكل ما تحمله من التزام بالعروبة و الوحدة و العيش المشترك و الحرية و الانفتاح على العالم العربي و الدولي.”
و أشار الصايغ إلى أن الحريري كان محط أنظار قادة العالم، من الإمبراطور الياباني إلى الرئيس الأميركي، و من الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى البابا يوحنا بولس الثاني، الذي رأى فيه للمرة الأولى محاوراً لبنانياً مميزاً عام 1993، و استمر في لقائه سنويًا.
و تابع: “كل مقرري العالم استقبلوه وعقدوا معه اتفاقات حول لبنان، من الشرق إلى الغرب.”
وعن أثر الحريري على الجيل الجديد، قال الصايغ: “قد يسمع الجيل الذي يبلغ العشرين من عمره عن الحريري كرجل يشبه الأسطورة. 12 سنة في الحكم و سنتان في المعارضة، و كان كل من يراه في الخارج يشعر بهذه الشخصية الاستثنائية ويستمع إليه بإعجاب.” و استذكر موقفًا في برلين، حيث سأل القادة الألمان الحريري عن كيفية إعادة إعمار بيروت ليستفيدوا من خبرته و حكمته.
و أكد الصايغ أن “لبنان كلّما مرّ الوقت يفتقد هذا الحاكم العظيم أكثر.”
وأضاف: “لو كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري بيننا اليوم، لكانت هناك كهرباء، و لكانت البيئة أفضل، و لما تفشى الفساد بهذا الشكل. لا أريد انتقاد من جاء بعده، لكنهم لا يتمتعون بالقضية التي كان هو مؤتمناً عليها.”
و عن الرئيس سعد الحريري، قال الصايغ: “يشبه والده في نهجه وصفاته. لقد ظلموه، و لم يستطع تحقيق ما كان يطمح إليه مثل والده، لكنه يمتلك نفس الصفات. عائلة الحريري تعرف كيف تعطي و تبني، و ليس كيف تعرقل.”
وأكد أن “رفيق الحريري كان أكبر من المال، ولهذا السبب يتذكره اللبنانيون كل 14 شباط، لأنه محفور في ضمائرهم.”
و في ختام حديثه، أجاب الصايغ عن سؤال مفترض: “لو كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري بيننا، هل كنا لنصل إلى هذا الانهيار؟” فأجاب بثقة: “طبعاً لا. كان سيجد حلولاً لكل شيء، من الأزمة المالية إلى حرب الجنوب. كان يملك اتصالات عربية و دولية تمنع تحويل لبنان إلى ساحة للحروب، و كان لديه حلول لقضية فلسطين.”
و ختم الصايغ قائلاً: “لا يمر يوم دون أن يُسأل عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأتمنى أن يعود الرئيس سعد الحريري إلى الحياة السياسية حين تسمح الظروف.”
رولا طبش ل”ديموقراطيا نيوز”: رفيق الحريري رجل دولة بامتياز، و سعد الحريري هو الإرث الثمين الذي يحمل نفس النهج
تحدثت المحامية والنائب السابقة رولا طبش في مقابلة خاصة مع “ديموقراطيا نيوز” عن التأثير العميق الذي تركه الرئيس الشهيد على الحياة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية في لبنان.
“رجل الدولة الذي لم يأتِ قبله ولا بعده”
بهذه العبارة وصفت طبش الرئيس رفيق الحريري، مؤكدة أنه استطاع تحويل لبنان من بلد مدمر بلا بنية تحتية إلى وطن مزدهر عمرانياً و اقتصادياً.
و أضافت: “هو الرجل الذي أعاد لبنان إلى خارطة العالم، و جعل منه مركزاً للتواصل مع المجتمعين العربي و الدولي، و أعاد الثقة بلبنان عبر استقطاب الاستثمارات الخارجية و المغتربين. رسالته الأولى كانت التعليم، فبنى أجيالاً على أساس العلم و الإعمار و الانفتاح على الجميع.”
و أشارت طبش إلى أن الرئيس الشهيد لم يكن يوماً محسوباً على طائفة أو فئة معينة، بل كان رجل دولة على مسافة واحدة من جميع الطوائف والمذاهب. “هذه الصفات القيادية الفريدة لم نعد نراها بعده، فهو كان قائداً لكل لبنان، لا لفئة دون أخرى.”
سعد الحريري: الامتداد الطبيعي لنهج والده
و عن الرئيس سعد الحريري، قالت طبش: “هو الإرث الثمين الذي ورثناه من الرئيس الشهيد. هو الشخص المناسب لمواصلة المسيرة، لكننا نعلم جميعاً أن الظروف التي أحاطت به تختلف عن تلك التي أودت بحياة والده. لم تُتح له الفرصة الكاملة ليحكم بالشكل الصحيح، خاصة في ظل الضغوط والتحديات التي تلت استشهاد الرئيس رفيق الحريري.”
و أكدت أن النهج بين الأب و الابن واحد، يقوم على مبادئ العلم، التطلع إلى المستقبل، و الانفتاح على الجميع.
“كان الرئيس الشهيد يردّد دائماً: إذا كانت أصغر طائفة في لبنان ليست بخير، فلبنان كله لن يكون بخير. وهذا المبدأ ما زال حيّاً في سياسة سعد الحريري، رغم كل التحديات والحروب التي واجهها أثناء تشكيل الحكومات.”
عدالة متأخرة، و لكنها أنصفت الشهيد
تطرقت طبش إلى مسار العدالة في قضية اغتيال الحريري، قائلة: “بعد 20 عاماً، يمكن للرئيس الشهيد أن يرقد بسلام. فقد كُشف عن هوية قاتليه و نالوا نصيبهم في هذه الحياة. و عودة الرئيس سعد الحريري إلى الساحة السياسية ستعيد الأمل إلى لبنان الذي فقد الكثير من بريقه منذ غيابه.”
دعم المرأة:رفيق الحريري كان السبّاق
و عن دور المرأة في الحياة السياسية، أكدت طبش أن “تيار المستقبل” كان ولا يزال الداعم الأول للنساء، سواء داخل التيار أو في مواقع صنع القرار. “كنا التيار الوحيد الذي يمتلك العدد الأكبر من السيدات في العمل السياسي، وهذا لم يكن مجرد كلام، بل تجربة عشتها خلال عملي النيابي. هذا النهج بدأ مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان من أوائل الداعمين لدور المرأة في السياسة.”
رؤية لمستقبل لبنان… أُجهِضت
و ختمت طبش حديثها بأسف شديد على الواقع الذي وصل إليه لبنان بعد اغتيال الحريري: “استُشهد الرئيس رفيق الحريري لإيصال لبنان إلى هذا الدمار والانهيار. لو كان على قيد الحياة، لكان امتلك رؤية لخمسين سنة إلى الأمام. لكن منذ استشهاده، لم يتغيّر “برغي واحد” في هذا البلد. كل السياسات التي أتت بعده كانت انتقاماً وتهديداً لما بناه هو وسعد الحريري.”
بهذه الكلمات، عبّرت رولا طبش عن الحنين لزمن الحريري، وعن الأمل بعودة لبنان إلى مساره الصحيح من خلال استعادة نهجه القائم على الإعمار، التعليم، والانفتاح.
الدكتور عاصم عراجي ل”ديموقراطيا نيوز”: رفيق الحريري بنى جسور الأمل في الصحة والتعليم ووحّد لبنان بعد الحرب
تحدث الدكتور عاصم عراجي، النائب السابق و طبيب القلب و الشرايين، عن الإرث الإنساني والسياسي للرئيس الشهيد رفيق الحريري، مسلّطاً الضوء على تأثيره العميق في القطاعين الصحي و التعليمي، و دوره المحوري في إنهاء الحرب الأهلية و إرساء الاستقرار السياسي في لبنان.
دعم صحي غير مسبوق: “كان ينبض قلبه مع كل مريض”
استهل عراجي حديثه بالإشارة إلى الدعم الطبي الهائل الذي قدمه الحريري للقطاع الصحي في لبنان. “كوني طبيباً، لا يمكنني نسيان الكم الهائل من المساعدات الطبية التي وفرها الرئيس الشهيد. آلاف المرضى كانوا يتلقون العلاج على نفقته الخاصة في مختلف مستشفيات لبنان، و خصوصاً في مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت.”
و أضاف: “ظل الحريري لسنوات يتبرع لتغطية تكاليف العمليات الجراحية الدقيقة، مثل زرع النخاع، وشراء بطاريات القلب و”الرسورات” (الدعامات القلبية)، التي كانت تكلفتها باهظة في ذلك الوقت، وهو ما لم يكن بمقدور العديد من المرضى تحمله.”
وأشار عراجي إلى أن أحد أبرز إنجازات الحريري في المجال الصحي كان بناء مستشفى الرئيس رفيق الحريري الجامعي، الذي أنشئ ليكون صرحاً طبياً مميزاً ليس فقط على مستوى لبنان، بل في الشرق الأوسط، بمعدات وتجهيزات متقدمة تُضاهي أهم المستشفيات في الدول العربية.
كما لفت إلى أن الحريري “كان وراء تأسيس مستشفى حكومي في كل قضاء لبناني، ما ساهم في رسم خارطة صحية متكاملة، وفّر من خلالها الرعاية الصحية للمواطنين في كافة المناطق، و هو أمر بالغ الأهمية في بلد مثل لبنان.”
رجل السلام: من إنهاء الحرب الأهلية إلى إعادة بناء لبنان
في حديثه عن تأثير الحريري في الحياة السياسية، شدّد عراجي على أن “الرئيس الشهيد لعب دوراً محورياً في وقف نزيف الدم اللبناني من خلال رعايته ودعمه لاتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية التي أدمت اللبنانيين طويلاً.”
وأضاف: “لم تتوقف أياديه البيضاء عند هذا الحد. فقد كان له دور بارز في اتفاق 7 نيسان بعد الاجتياح الإسرائيلي واحتلال أجزاء من الجنوب اللبناني، كما كان له موقف مشهود بعد مجزرة قانا، حيث سعى لتثبيت الاستقرار وإعادة إعمار ما دمرته الحروب.”
و أكد عراجي أن الحريري لم يكن مجرّد سياسي أو رجل دولة، بل كان زعيماً “عابراً للطوائف، حافظ على التوازن الوطني في لبنان، سواء في تشكيل الحكومات أو في الانتخابات البلدية، مثل انتخاب مجلس بلدية بيروت.”
التعليم: الاستثمار في الإنسان أولاً
وفيما يخص قطاع التعليم، قال عراجي: “الرئيس الحريري لم يكن يرى في التعليم مجرد قطاع، بل كان يعتبره حجر الأساس لبناء الوطن. فقد موّل تعليم آلاف الطلاب اللبنانيين على نفقته الخاصة، سواء في لبنان أو في الخارج، ومن بين هؤلاء أصبح العديد من الشخصيات الناجحة في مجالات متعددة.”
و أضاف: “استثماره في التعليم لم يكن صدفة، بل كان إيماناً عميقاً بأن بناء الإنسان هو الطريق لبناء الوطن. لذلك سيظل التاريخ يذكر بصماته في هذا المجال، كما في مجالات أخرى.”
إرث رفيق الحريري لا يمكن أن يُمحى من ذاكرة اللبنانيين. “بصماته واضحة في كل زاوية من زوايا هذا البلد، سواء في البنية التحتية، أو في المستشفيات والمدارس، وفي الحياة السياسية طبعا. لقد كان زعيماً بحجم وطن، والتاريخ سيظل يذكره كواحد من الرجال الذين أعادوا بناء لبنان بعد سنوات من الظلام.”