
بدأ لبنان خطوات جدية لوضع خطط إعادة إعمار المناطق التي تعرضت للدمار جراء الحرب الإسرائيلية، إلا أن العائق الأكبر لا يزال يتمثل في نقص التمويل، حيث يرتبط وصول الدعم الدولي بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالوضع في الجنوب، إلى جانب الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة.
تتراوح خسائر لبنان نتيجة الحرب بين 10 و11 مليار دولار، بعد أن كانت تقديرات البنك الدولي الأولية بين 8 و9 مليارات دولار. وتشمل هذه الأضرار 51 ألف وحدة سكنية مدمرة بالكامل، من بينها 9 آلاف وحدة في الضاحية الجنوبية، و1500 في البقاع، و22 ألفًا في مناطق الشريط الحدودي.
كما أن هناك 317 ألف وحدة سكنية متضررة بشكل جزئي أو متوسط. أما تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية فتقدر بحوالي 700 مليون دولار، في حين تصل تكلفة إزالة الأنقاض إلى 35 مليون دولار. ويشير الباحث محمد شمس الدين إلى أن لبنان لا يزال في مرحلة رفع الأنقاض، حيث تتولى مجالس البلديات والهيئات المختصة هذه المهمة وفقًا للمناطق المتضررة.
في خطوة لدعم عملية إعادة الإعمار، أعد البنك الدولي دراسة مبدئية للمشروع، حيث يركز التمويل الأولي على ترميم البنية التحتية وإزالة الركام، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا مثل الجنوب، الضاحية الجنوبية، والبقاع. ووفقًا لوزير المال ياسين جابر، تبلغ التكلفة الأولية لإعادة الإعمار نحو مليار دولار، مع تقديم البنك الدولي 250 مليون دولار كمرحلة أولى. كما من المتوقع أن تساهم دول أخرى في التمويل بعد الموافقة الرسمية على هذه الدفعة الأولى.
على رغم الجهود المبذولة، لا تزال عملية إعادة الإعمار تواجه تحديات كبيرة، أبرزها الحاجة إلى إصلاحات مالية واقتصادية شاملة، إضافةً إلى تنفيذ القرار 1701 بكامل بنوده لضمان استعادة ثقة المجتمعين العربي والدولي.
ضمن الإطار المذكور، يرى الباحث الاقتصادي محمود جباعي أن الحل الأمثل يكمن في إنشاء صندوق مستقل لإعادة الإعمار، بعيدًا عن الموازنة العامة، لضمان الشفافية في صرف الأموال. كما أن التحديات لا تقتصر على التمويل فقط، بل تشمل أيضًا التنافس على الدعم الدولي، في ظل وجود أزمات إعادة إعمار في دول أخرى مثل سوريا وغزة، حيث تتجاوز تكلفة إعادة الإعمار في سوريا مئات المليارات، بينما تصل في غزة إلى أكثر من 55 مليار دولار.
من بين القضايا الملحّة، يبرز ملف 100 ألف شخص مهجّر من القرى الحدودية لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم حتى الآن. وقد قدّم “حزب الله” بدل إيواء لمدة عام للعائلات التي دُمرت منازلها، إلا أن انتهاء هذه المدة دون إطلاق مشاريع إعادة الإعمار سيؤدي إلى أزمة إنسانية جديدة. في ظل هذه التحديات، تبقى إعادة الإعمار مرهونة بقدرة الدولة على تأمين التمويل اللازم، وإجراء الإصلاحات المطلوبة لاستعادة ثقة الجهات المانحة. فهل ستتمكن الحكومة من تأمين الدعم الدولي، أم أن اللبنانيين سيواجهون أزمة جديدة تضاف إلى أزماتهم المتراكمة؟
المصدر: الشرق الأوسط، بولا أسطيح