
بعد نيلها ثقة المجلس النيابي بـ95 صوتًا، تمكنت حكومة نواف سلام من تجاوز أولى العقبات في البرلمان، وسط نقاشات موسعة تناولت مضمون البيان الوزاري، حيث دعا بعض النواب إلى تعديلات جوهرية، لا سيما فيما يتعلق بحق لبنان في الدفاع عن أرضه ضد أي اعتداء.
تحديات المرحلة المقبلة
رغم حصولها على شبه إجماع داخل المجلس النيابي، تواجه الحكومة تحديات كبرى، أبرزها ملف إعادة إعمار المناطق المتضررة من العدوان الإسرائيلي، بالإضافة إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي في خمس نقاط حدودية، ومخاوف متزايدة بشأن نية تل أبيب إقامة منطقة عازلة بدعم أمريكي، دون توضيح آليات تنفيذها أو نطاقها الجغرافي.
مواقف الكتل النيابية: بين المرونة والتفاوض
أظهرت المناقشات البرلمانية تبايناً في المواقف بين الكتل السياسية. فقد أبدى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد مرونة في التعامل مع العهد الجديد، مؤكداً دعم الحكومة بناءً على مبادئ الشراكة والعدالة. في المقابل، دعا رئيس حزب الكتائب، النائب سامي الجميل، إلى حوار شفاف حول الملفات الخلافية، بما في ذلك قضية سلاح المقاومة.
الأولوية للملف الاقتصادي والمعيشي
على الرغم من تخطي امتحان الثقة، يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وإيجاد حلول مستدامة للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطنون. ويدفع التوافق النيابي إلى ضرورة ترجمة الوعود الحكومية إلى أفعال، خاصة مع تأكيد رئيس الحكومة على أهمية الحكم بناءً على الإنجازات الفعلية وليس الشعارات.
معضلة القرار 1701 وسلاح المقاومة
يُعدّ تنفيذ القرار الدولي 1701 أحد أبرز العقبات التي تواجه الحكومة، إذ يشمل ترتيبات متعلقة بسلاح “حزب الله” وسط تصاعد التهديدات الإسرائيلية. وبينما يتمسك الحزب بشرعية المقاومة وفق المواثيق الدولية، ترى جهات سياسية أخرى ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وتعزيز قدرات الجيش ليكون القوة الوحيدة المخولة بالدفاع عن السيادة الوطنية. هذا التباين قد ينعكس على ملفات أخرى مرتبطة بالإصلاحات والمساعدات الدولية، حيث تربط الدول المانحة دعمها للبنان بشروط تتعلق بمكافحة الفساد وإعادة هيكلة المؤسسات.
بين البيان الوزاري والواقع السياسي
مع عمر زمني محدود للحكومة لا يتجاوز السنة وثلاثة أشهر، يبقى السؤال الأساسي: هل سيتمكن نواف سلام من تحقيق التوازن بين تنفيذ بنود البيان الوزاري وإرضاء المجتمع الدولي؟ إذ إن العقبات تبدأ بملف السلاح ولا تنتهي عند الإصلاحات الإدارية والمالية، في ظل فساد متجذر يعاني منه لبنان منذ عقود.
الدعم الدولي: بين الحاجة والشروط
يرتبط نجاح الحكومة بقدرتها على تأمين الدعم الخارجي دون الرضوخ لأجندات تتعارض مع المصلحة الوطنية. فهل ستتمكن الحكومة من تعزيز دور الجيش ليكون القوة الأساسية لحماية لبنان، أم أن المساعدات الدولية ستظل مشروطة بمعايير تخدم مصالح خارجية أكثر من حاجات الداخل اللبناني؟
أخيراً، على رغم تخطي حكومة نواف سلام امتحان الثقة، إلا أن التحديات المقبلة تفرض عليها اختبارًا أكثر تعقيدًا في التنفيذ. فبين مواجهة الأزمات الداخلية، والتعامل مع الضغوط الإقليمية والدولية، يبقى مصير هذه الحكومة مرتبطًا بمدى قدرتها على ترجمة وعودها إلى واقع ملموس ينعكس إيجابًا على حياة اللبنانيين.
المصدر: اللواء، وفاء بيضون