
لطالما التزم لبنان بالموقف العربي الرافض لإسرائيل، مدافعًا عن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. ورغم مشاركته المحدودة في حرب 1948، شكّل اتفاق الهدنة الموقع عام 1949 بين لبنان وإسرائيل محطة مفصلية في استقراره السياسي والاقتصادي. حيث احترم الطرفان الاتفاق حتى منتصف ستينيات القرن الماضي، عندما بدأت التنظيمات الفلسطينية بخرقه، ما أدى لاحقًا إلى سقوطه بالكامل بعد حرب 1967.
شهد لبنان حقبة ذهبية بين توقيع اتفاقية الهدنة واتفاق القاهرة عام 1969، إذ استطاعت القيادة آنذاك الحفاظ على سياسة المساندة للقضية الفلسطينية دون الانزلاق إلى المواجهة المباشرة. لكن مع تغير المعادلات السياسية وفرض الأمر الواقع، تحوّل لبنان إلى ساحة صراعات، ما فتح الباب أمام التدخلات الإقليمية، بدءًا من السيطرة السورية وحتى النفوذ الإيراني، الذي استغل ما يُعرف بـ”المقاومة” لترسيخ مشروعه التوسعي في المنطقة.
يرى كثيرون أن استعادة اتفاقية الهدنة قد تشكل الحل الأمثل لاستقرار لبنان، بعيدًا عن أي مشاريع تطبيعية، حيث يهدف ذلك إلى إعادة سيطرة الدولة على حدودها وأراضيها، وفق ما تنص عليه اتفاقية الطائف والقرارات الدولية. إلا أن القوى الممانعة، وعلى رأسها “حزب الله”، تعرقل هذا المسار حفاظًا على مشروعها العسكري، مستفيدة من استمرار حالة النزاع لضمان هيمنتها على القرار اللبناني.
منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، فُتحت تساؤلات حول إمكانية العودة إلى اتفاقية الهدنة، لكن الممانعة وجدت في قضية مزارع شبعا وسيلة لاستمرار الصراع. ومع اندلاع حرب تموز 2006، وحرب غزة 2023، برز دور “حزب الله” كطرف رئيسي في إشعال المواجهات، متجاهلًا المصالح اللبنانية.
الحل الأساسي لأزمة لبنان يكمن في إنهاء استخدامه كساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، وإعادة الاعتبار لسلطة الدولة، التي يجب أن تحتكر قرار الحرب والسلم، وتمسك بحدودها بعيدًا عن التدخلات الخارجية. تحقيق ذلك يستوجب العودة إلى اتفاقية الهدنة، وإبعاد لبنان عن صراعات لا تخدم استقراره، بل تجعله رهينة لمشاريع لا تمت بصلة لمصلحة شعبه.
المصدر: نداء الوطن، شارل حبور