التهرّب الضريبي: خسارة تقدر بمليار ونصف دولار على الدولة

تواجه الدولة العديد من الملفات الإصلاحية العاجلة التي تحتاج إلى معالجتها في إطار السعي نحو تحقيق الشفافية وتقليص الفساد في المؤسسات الحكومية، بما يساهم في زيادة إيرادات الخزينة. من بين هذه الملفات المهمة، يتصدر موضوع التهرّب الضريبي، الذي يحظى باهتمام بالغ من قبل الحكومة، خاصة وأنه يُعد من المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي في ظل الحاجة الملحّة لمعالجته. فما هو التهرّب الضريبي، وكيف يمكن الحد منه؟

حجم التهرّب الضريبي: أرقام تقديرية متباينة
تختلف التقديرات حول حجم التهرّب الضريبي والجمركي، حيث قدر صندوق النقد الدولي في تقرير له صدر في عام 2023 بعنوان “إدارة الضرائب والجمارك: الحاجة المُلحة للتدخل”، أن قيمة التهرّب الضريبي تتراوح بين 4 إلى 5 مليارات دولار سنوياً. ويعود ذلك إلى ضعف تطبيق القوانين، وتدخل أصحاب النفوذ، وانتشار الاقتصاد النقدي، فضلاً عن بعض عيوب النظام الضريبي. بينما يقدر بعض الاقتصاديين هذه الخسارة بحوالي 2 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 3% من إجمالي الناتج المحلي.

من جهة أخرى، يُقدّر نقيب خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، إيلي عبّود، أن “كلفة التهرّب الضريبي من الجمارك وTVA على الدولة تصل إلى حوالي مليار إلى مليار ونصف مليار دولار”. وفي هذا السياق، يشير عبّود إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة تم اقتراحها مسبقاً من قبلهم لمعالجة هذه المشكلة.

الأساليب المتبعة في التهرّب الضريبي
فيما يتعلق بأساليب التهرّب الضريبي، يعتمد المتهرّبون على مجموعة من الطرق للتهرب من دفع الضرائب والرسوم الجمركية، أبرزها:

التلاعب بالفواتير: عبر إصدار فواتير مزوّرة أو معدّلة تُظهر قيمة أقل من القيمة الحقيقية للسلع والخدمات.
إخفاء الإيرادات والأرباح: من خلال عدم التصريح عن جزء من المبيعات أو الأرباح، وبالتالي تقليل قيمة الضرائب المستحقة.
استغلال الإعفاءات الضريبية: حيث يسجل البعض شركات في مناطق أو قطاعات تتمتع بإعفاءات ضريبية دون أن تكون هناك أنشطة حقيقية.
التهرب الجمركي والتهريب عبر المعابر: بإدخال بضائع دون التصريح عنها أو عبر معابر غير شرعية بهدف تهريب السلع وتخفيض الرسوم الجمركية.
الأسباب الكامنة وراء التهرّب الضريبي
تتعدد أسباب التهرّب الضريبي في لبنان، حيث يلعب غياب الثقة في الحكومة والفساد المستشري دوراً مهماً في تشجيع الأفراد على عدم الالتزام بالقوانين. من بين الأسباب الرئيسية:

عدم الثقة في الحكومة: بسبب الفساد الذي يعصف بالعديد من المؤسسات الحكومية.
الاعتماد على الرشوة: في تسوية المعاملات من أجل توفير المال.
تعقيدات النظام الضريبي: التي تجعل الامتثال الضريبي أمراً صعباً.
عدم وجود ثقافة قانونية: خاصة في ما يتعلق بتسديد الضرائب والرسوم.
قيمة الغرامات غير الرادعة: التي أصبحت أقل فاعلية بعد الأزمة الاقتصادية.
آلية مكافحة التهرّب الضريبي
في إطار سعيها لمكافحة التهرّب الضريبي، تبذل وزارة المالية جهوداً متواصلة لتعزيز الامتثال الضريبي، ومن أبرز هذه الجهود:

اعتماد منصات إلكترونية: مثل منصة الـ E-purchase order التي تربط الفواتير إلكترونياً بين مختلف الجهات الحكومية، مما يعزز من تطبيق مبدأ الحوكمة الإلكترونية ويساعد في الحد من التهرّب الضريبي.
مسح المكلّفين المكتومين: أي أولئك الذين لا يصرحون عن إيراداتهم وأرباحهم، رغم أنهم يمتلكون رخصة تجارية.
إعداد قانون الضريبة الموحد: الذي يجمع جميع أنواع الضرائب في وعاء واحد، بدلاً من النظام المعمول به حالياً والذي يعتمد على الضرائب النوعية.
حلول وتوصيات
وفي إطار حلول مكافحة التهرّب الضريبي، أكد عبّود أنه يجب البدء بتطبيق المنصة الإلكترونية في عمليات الاستيراد والتصدير، وهو ما قد يكلّف الدولة حوالي 4 إلى 5 ملايين دولار. وفي حال تفعيل هذه الآلية، فإن العائدات الضريبية على الخزينة قد تصل إلى مليار أو مليار ونصف دولار.

كما يوصي صندوق النقد الدولي بضرورة محاربة الاقتصاد النقدي، وإنشاء قاعدة بيانات مشتركة بين وزارة المالية والجمارك ووزارة الاقتصاد ومصرف لبنان. كما يرى ضرورة ضمان استقلالية القضاء وتطبيق القوانين بفعالية.

الخلاصة
إن التهرّب الضريبي يُمثل واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد اللبناني في ظل الظروف الحالية. لذا، فإن تطبيق حلول فعّالة من خلال استخدام التكنولوجيا وتعديل القوانين سيشكل خطوة أساسية نحو تحسين الوضع المالي وتعزيز الإيرادات الضريبية، ما يساهم في تخفيف العبء على الخزينة ويسهم في تحسين الخدمات العامة.

المصدر: باتريسيا جلاد ، نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: