سقوط الأسد يعصف بامتيازات “الحزب” على الحدود

لم يكن التدهور الأمني الذي شهدته الحدود اللبنانية الشرقية في منطقة حوش السيد علي الأسبوع الماضي مجرد تفصيل عابر، ولا هي فقط إجراءات السلطات اللبنانية السريعة التي تلت تلك الأحداث. بل جاءت هذه التطورات في سياق تاريخي يصعب معه تصديق ادعاءات الجانب السوري بأنه تاه عن الخرائط المرسومة لحدود بلاده، عندما سيطر على الجزء اللبناني من البلدة لساعات معدودة. كما أن تسليمنا بأنّ تدخل الجيش لاسترداد البلدة “المحتلة” لم يكن سوى تدبير أمني لتفادي مزيد من إشكالات المهربين، يعدّ تسطيحًا للحدث. فهل تفتح قافلة ملالات الشرعية العسكرية التي شقّت طريقها إلى الحدود الشرقية خطوة أولى نحو نزع السلاح من شمال الليطاني؟

اليوم، أصبح حوش السيد علي تحت المجهر، فلنراقب وننتظر.

لطالما كانت مساحة الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا في منطقة الهرمل مغرية لتجار الحدود، ما جعلها تشهد نشاطاً دائماً، حيث تناغم المهربون من البلدين لفترة طويلة، نوّعوا خلالها بضائعهم المهرّبة حسب حاجات الجارين. غير أن ذروة هذا النشاط التجاري غير الشرعي برزت في ثمانينات القرن الماضي. في تلك الحقبة، اكتسب حوش السيد علي شهرة كبيرة كمرفأ جافّ، حيث كان المهربون ينقلون مواد غذائية وإلكترونيات وأدوات كهربائية إلى سوريا، بينما كانوا يحصلون في المقابل على المازوت والغاز. وأظهر المهربون إبداعًا في التفافهم على محاولات الردع الأمنية، حتى في وجود الجيش الذي كان قد ثبّت حواجزه التابعة لفوج الحدود على مشارف البلدة. ومع ذلك، لم يُغلق أي منفذ غير شرعي في البلدة، خصوصاً تلك المنافذ التي تتمتع بأهمية استراتيجية.

دور استراتيجي موازٍ للدورالتجاري:

منذ بداية شهر نيسان 2013، تحولت حركة التنقل “غير الشرعي” عبر ممرات حوش السيد علي والقصر إلى مسألة استراتيجية. فقد تورّط “حزب الله” إلى جانب نظام الأسد في المعركة ضد القوات المعارضة له في محافظة حمص، حيث لعب دورًا بارزًا في قطع طرق الإمداد الرئيسية للجيش السوري الحر والمتمردين على النظام، الذين تعرضوا، مدنيين ومقاتلين، لعملية تهجير واسعة من منطقة القصير.

النفوذ العسكري الواسع لـ “حزب الله” على الحدود خلال هذه المرحلة فرض واقعًا جديدًا، عزز دور المعابر غير الشرعية كخطوط إمداد لوجستي للمحور الإيراني، الذي كان مساندًا لنظام بشار الأسد.

في هذا السياق، زار عدد من الصحافيين المنطقة للاستطلاع الميداني، فظهرت حوش السيد علي ومنطقة القصر المجاورة كـ “NO MAN’S LAND”. لم يكن ذلك بسبب غياب مظاهر الدولة، بل بسبب الحركة المشبوهة التي كانت تحيط بالبلدة، حيث تحول سكانها إلى مخبرين لـ “حزب الله”، الذي كلف عناصره بمراقبة الزوار والتأكد من مغادرتهم المنطقة. كانت السيارات التي تجوب الطرقات تحمل لوحات محجوبة وزجاجًا داكنًا، مما أظهر تحول البلدة إلى منطقة عمليات مخابراتية حزبية، وسط بيئة حامية وفّرت الانتقال السهل للمقاتلين مع أسلحتهم.

بيئة حاضنة للسلاح والمخدرات:

مع توسع نفوذ “حزب الله” في الطرف السوري من الحدود، قام بمنع أهالي منطقة القصير السورية من العودة إلى ممتلكاتهم، ما دفعهم إلى اللجوء إلى بلدة عرسال ومنطقة مشاريع القاع اللبنانية. لعدة سنوات، اعتقد النازحون السوريون من محافظة حمص أن عودتهم إلى قراهم باتت مستحيلة، ولم يكن أحد قادرًا على تغيير المعادلة بعد أكثر من عشر سنوات من هجرتهم القسرية.

سيطرة “حزب الله” الأمنية تراوحت مع سيطرة على الحركة التجارية للحدود، ما أتاح للبيئة الحاضنة تماهيًا تامًا مع جيش نظام الأسد. وتعاون الحزب أيضًا في عمليات غير شرعية، حيث احتضنت البيئة المحلية معامل تصنيع المخدرات القادمة من الداخل السوري، ووفرت “سلاح العشائر” لحماية هذه الأنشطة الموازية.

لكن الأخطر كان في الدور الذي لعبته منطقة الحوش في تسريب ودائع اللبنانيين من المصارف عبر استنزاف دعم مصرف لبنان لبعض المنتجات المهربة، وتصديرها بكميات كبيرة إلى سوريا، بينما كان “حزب الله” يساعد في فك عزلة سوريا الاقتصادية عبر استغلال معبره غير الشرعي.

وقاحة الدويلة المذيّلة بعبارات “خوش آمديد”:

الكل يذكر صهاريج البنزين والمازوت التي قطعت مسافات طويلة من بيروت إلى أقاصي الحدود اللبنانية باتجاه منطقة الهرمل، لتباع بأسعار ملأت جيوب المهربين. وكان الأمر مستفزًا لجميع اللبنانيين الذين شاهدوا هدر ودائعهم لدعم منتجات مشتركة مع النازحين السوريين.

لاحقًا، حاول “حزب الله” تبييض صورته مع المجتمع اللبناني، فروج لصهاريج المازوت الإيراني التي استوردها من إيران عبر معبره غير الشرعي، تحت شعار “صهاريج فك الحصار”. وكشفت تلك القوافل عن الوقاحة التي بلغتها “الدويلة”، حيث استخدم “حزب الله” طرقًا موازية للمعابر الشرعية، ليحقق ربحًا غير شرعي من بيع المازوت الإيراني بأسعار مخفضة.

ضريبة الثلاثية:

في منتصف عام 2023، كان واضحًا أن الإجراءات العسكرية على معبر “حزب الله” في الحوش توقفت. ومع ذلك، أكدت مصادر عسكرية أن ضبط المعبر مرتبط بقرار سياسي يعارض ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، التي شرّع من خلالها “حزب الله” شقّ طرق موازية للمعابر الحدودية الشرعية. ورغم تكرار العدوان الإسرائيلي على المنطقة، بما في ذلك الهجمات على ناقلات نفط وخزانات وقود، استمر “حزب الله” في استخدام معبر الحوش لأغراضه الاستراتيجية.

تقهقر معبر “الحزب” المرافق لتقهقر نظام الأسد:

مع تراجع نظام بشار الأسد في سوريا، شعر أهالي المنطقة و”حزب الله” أنهم فقدوا امتيازاتهم على الحدود. إلا أن العدوان الإسرائيلي المتكرر لم يوقف حركة التهريب تمامًا، ومع سقوط الأسد، فقد المعبر دوره المهم الذي كان يمارسه سابقًا.

تبدّل موازين القوى على الحدود:

في 8 كانون الأول 2024، بدأ “حزب الله” محاولة إرسال تعزيزات قتالية إلى سوريا، لكن سرعان ما انسحب العناصر بعد انهيار المحور الإيراني. ورغم تراجع دور “حزب الله”، إلا أن المعابر غير الشرعية ظلت مفتوحة، مما يشكل تحديًا إضافيًا أمام السلطات اللبنانية لفرض سيادتها على الحدود.

إنجاز يسجل لبداية العهد فهل يستكمل؟

دخل الجيش اللبناني منطقة حوش السيد علي، وهذا يعدّ إنجازًا مسجلًا لعهد الرئيس جوزاف عون وللقائد الجديد للجيش العماد رودولف هيكل. لكن العبرة تبقى في مدى صمود الهدنة على الحدود، ومنع تكرار الاشتباكات في المستقبل، فضلاً عن فرض سيادة الشرعية التامة على المعابر غير الشرعية التي تشكل تهديدًا للسلامة الوطنية.

المصدر : لوسي بارسخيان – نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: