
قبل أن يتناول كبار مسؤولي الأمن القومي الأميركي خطط الحرب السرية عبر تطبيق سيغنال، كان من الواضح أن “جنون آذار” قد اجتاح الشرق الأوسط. في خضم تصاعد التوترات، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق، رغم أنه ليس غريباً عن الاضطرابات السياسية والعسكرية في المنطقة.
في هذا السياق، يحذر مصدر أميركي من التصعيد الأمني الأخير، خصوصاً مع تكثيف إسرائيل لأنشطتها العسكرية في جنوب لبنان، بالتوازي مع زيادة تحركات “حزب الله” في الديناميكيات الإقليمية. يعتقد المصدر أن الإدارة الأميركية تنتظر حدوث “تقدم إيجابي” في الملف اللبناني الإسرائيلي، مما دفع إلى تسريع تشكيل اللجان الثلاث التي تتابع اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي بين لبنان وإسرائيل. من المتوقع أن تناقش هذه اللجان ثلاث قضايا أساسية بالنسبة للولايات المتحدة، وهي التوصل إلى اتفاق سلام أو إعادة تفعيل اتفاق الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949 بين البلدين. ويعتبر أن هذه الأخيرة هي الخيار الأكثر احتمالية وفقاً لما ذكره عضو الكونغرس الأميركي اللبناني الأصل، داريل عيسى، لـ “نداء الوطن”. تجدر الإشارة إلى أن هذه اللجان ستسعى لحل الخلافات المتعلقة بالحدود البرية، وانسحاب إسرائيل من التلال الحدودية التي ما تزال تحتلها في لبنان، بالإضافة إلى إطلاق سراح السجناء اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل.
هوية مزارع شبعا
في البداية، سعت مصادر الإدارة الأميركية لتصوير هذه المفاوضات باعتبارها الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وإسرائيل. ولكن مع تبلور الموقف الرسمي اللبناني بعدم الرغبة في التطبيع مع تل أبيب، بل السعي لإغلاق الملف الخلافي مع ضمان انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي اللبنانية، بدأ يتزايد في واشنطن الحديث عن إعادة تفعيل اتفاق الهدنة والسعي لإيجاد حل لمشكلة منطقة مزارع شبعا، وهي منطقة متنازع عليها بين لبنان وسوريا وإسرائيل. وتؤكد المصادر الدبلوماسية الأميركية أن اللبنانيين سيحتاجون للتفاوض مع الحكومة السورية الجديدة لحل هذه المشكلة الحدودية، مما سيؤدي إلى إنهاء الغموض حول الدولة التي تنتمي إليها هذه المنطقة. في هذا السياق، أشار السفير الأميركي، إد غبريال، رئيس مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان، لـ “نداء الوطن”، إلى أن لبنان يرغب في السلام أو الحياد مع جيرانه، بما في ذلك إسرائيل.
الضغط الأميركي المتزايد
تنظر المصادر الأميركية إلى تصريحات التطبيع مع إسرائيل أو السعي للتوصل إلى اتفاق سلام معها على أنها وسيلة لزيادة الضغط على لبنان، في ظل الأجواء السلبية التي تعكس عدم رضا أميركي عن طريقة تعامل لبنان مع سلاح “حزب الله”. وقال المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، ديفيد شينكر، إن الإدارة الأميركية تنتظر خطوات ملموسة من الحكومة اللبنانية تجاه نزع سلاح “حزب الله” والميليشيات الأخرى، وكذلك بسط سلطة الجيش اللبناني بشكل كامل على الأراضي اللبنانية. كما حذر من أن واشنطن لن تمنح لبنان مهلة زمنية مفتوحة لتحقيق ذلك، خاصة أن إدارة ترامب تفي بالتزاماتها تجاه لبنان، لا سيما الدعم المالي للجيش اللبناني بشكل كامل. ورغم تجميد الإدارة المساعدات الخارجية، إلا أن لبنان حصل على استثناءات تضمن استمرار تدفق المساعدات لمساعدته في تحقيق تقدم في القضايا الاقتصادية والأمنية.
استعادة الردع في الشرق الأوسط
تؤكد مصادر دبلوماسية أميركية أن واشنطن تعمل بسرعة لاستعادة الردع في الشرق الأوسط، مع التركيز على ملاحقة الإرهابيين وضمان عدم عودة تنظيم “داعش” في سوريا، ومنع “حماس” من السيطرة على غزة، إضافة إلى منع “حزب الله” من تهديد لبنان وإسرائيل وأميركا. لكن المحللين يحذرون من هذا التفكير السائد في واشنطن، حيث أن لبنان بلد منقسم ولا يمكنه تحمّل أي نزاع داخلي. مع ذلك، يتوقعون تزايد الضغط الأميركي على الحكومة اللبنانية لحثها على تسريع وتيرة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب. في هذا الإطار، أكد السفير إد غبريال على ضرورة اتخاذ المزيد من خطوات بناء الثقة قبل أي حوار علني مع إسرائيل، مثل الدعم الكامل لاحتياجات الجيش اللبناني لتنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار، ونزع سلاح جميع الميليشيات، وحماية جميع حدود لبنان، فضلاً عن إحراز تقدم في ترسيم الحدود البرية. كما يجب على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من لبنان كجزء من تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
وفد أميركي في بيروت
من جهة أخرى، يستعد السفير إد غبريال لزيارة لبنان بعد عيد الفطر على رأس وفد أميركي، حيث سيجتمع مع كبار المسؤولين اللبنانيين للاستماع إلى خططهم لمعالجة الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد، بالإضافة إلى موقفهم من خطة صندوق النقد الدولي لإنعاش الاقتصاد وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. في هذا السياق، أشار غبريال إلى أن الوفد الأميركي سيطلع على قضايا محددة مثل إعادة هيكلة البنوك، إصلاحات القطاع العام والقضاء، خطط توفير الكهرباء، الإصلاحات التنظيمية الشفافة، وأولويات إعادة إعمار الجنوب والمناطق المتضررة من الحرب.
ورغم أن الوفد الأميركي لن يحمل رسائل مباشرة من الإدارة الأميركية، إلا أنه سيقدم للحكومة اللبنانية تقييماً واقعياً ومحدداً لما تتوقعه إدارة ترامب والكونغرس الأميركي لبناء علاقة ثنائية وثيقة بين واشنطن وبيروت.
المصدر:أمل شموني – نداء الوطن