التحديات الأولى في العلاقات اللبنانية – السورية

تشكلت الاشتباكات التي شهدتها الحدود الشرقية للبنان في منتصف شهر آذار الجاري أول اختبار للعلاقات بين لبنان وسوريا في التعامل مع الملفات المعقدة التي تراكمت خلال السنوات الماضية. كان النظام السوري السابق والحكومات اللبنانية التي يهيمن عليها “حزب الله” يفضلون إبقاء هذه الملفات مجمّدة، بما يتناسب مع مصالح كل طرف. الحدود اللبنانية – السورية تمتد لأكثر من 375 كيلومترًا، ويؤكد الخبراء أن تأخر ترسيمها، بالإضافة إلى العوامل الجغرافية والاجتماعية والسياسية والأمنية، جعلها “خاصرة رخوة” لكلا البلدين، قد تشهد تجدد المواجهات العسكرية في أي وقت، خاصة في ظل وجود العديد من المعابر غير الشرعية التي تُستخدم لتهريب الأفراد والبضائع والأسلحة منذ سنوات.

خلال الساعات الأخيرة، شهد ملف ترسيم الحدود اللبنانية – السورية اختراقًا كبيرًا بتوقيع اتفاق في مدينة جدة، برعاية الوساطة السعودية، بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسّى ووزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة. الاتفاق أكد على “أهمية ترسيم الحدود بين البلدين”، وشمل تشكيل لجان قانونية ومتخصصة، بالإضافة إلى تفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، على أن يتم عقد اجتماع متابعة في السعودية في المستقبل القريب.

مصادر مطلعة اعتبرت أن تدخل السعودية في الوساطة يعطي الاتفاق قوة إلزامية للطرفين ويمنحه بُعدًا أكثر جدية. جدير بالذكر أن الجيش اللبناني ينتشر في الحدود اللبنانية – السورية عبر 4 أفواج، ويضم نحو 4838 عنصرًا موزعين على 108 مراكز، بما في ذلك 38 برج مراقبة مجهزة بالكاميرات وأجهزة استشعار ليلية. ومع ذلك، لم يمنع هذا الواقع من حدوث مواجهات عنيفة على الحدود بين الجيش اللبناني وقوات الأمن السورية، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص في لبنان و3 في سوريا.

المناطق الحدودية، وخاصة في شمال شرقي لبنان، شهدت بعد سقوط النظام السابق في سوريا اشتباكات متفرقة بين مهربين من الجانبين. وفي شهر فبراير الماضي، أطلقت القوات السورية حملة أمنية في محافظة حمص، هدفها إغلاق طرق تهريب الأسلحة والبضائع، متهِمة “حزب الله” برعاية شبكات تهريب عبر الحدود. من جهته، نفى الحزب أي علاقة له بالموضوع.

في منتصف الشهر الجاري، بعد اشتباكات دامية بين الطرفين إثر اتهام سوريا عناصر “حزب الله” بدخول أراضيها وخطف وقتل ثلاثة من أفراد الجيش السوري، تدخل الجيش اللبناني بناء على توجيهات من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي أمر بالرد على مصادر النيران والانتشار في بلدة حوش السيد علي التي شهدت أعنف المواجهات. كما كلف الرئيس عون وزير الخارجية يوسف رجّي بالتواصل مع السلطات السورية لحل الأزمة قبل أن يتسلم وزير الدفاع منسّى الملف.

حل الأزمة الحدودية بين لبنان وسوريا يبدأ، بحسب العديد، بترسيم الحدود. ويعدّ هذا الترسيم جزءًا من قرار مجلس الأمن الدولي 1680 الصادر في 2006، الذي نص أيضًا على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين ونزع سلاح الميليشيات. لكن سوريا رفضت حينها القرار، معتبرة إياه تدخلاً في شؤونها الداخلية، بينما رحبت به بعض الدول الغربية وحكومة لبنان.

العميد المتقاعد خليل الحلو، الباحث اللبناني في الشؤون السياسية والاستراتيجية، يرى أن “مسألة ترسيم الحدود مع سوريا ليست مجرد مسألة طبوغرافية، بل تحمل بعدًا اجتماعيًا، حيث يمتلك العديد من اللبنانيين أملاكًا في الجانب السوري من الحدود، مما يتطلب نقاشات طويلة ومفاوضات”. ويؤكد الحلو أن “القضية لا تُحل على مستوى وزيري الدفاع أو الجيشين، بل تحتاج إلى قمة بين رئيسي الجمهورية في البلدين”.

من جانبه، يرى الحلو أن “تطبيق القرار الدولي 1680 يرتبط بشكل أساسي بقدرة الجيش اللبناني على ضبط الحدود، وهو قادر على ذلك إذا كان القرار السياسي واضحًا، دون إغفال دور الأجهزة الأمنية الأخرى”.

تربط لبنان وسوريا ستة معابر نظامية، إضافة إلى العديد من المعابر غير الشرعية التي يستخدمها المهربون.

في الوقت نفسه، يرى البعض أن السلطة الجديدة في سوريا “لا تبدو متحمسة” لحل الملفات العالقة مع لبنان، نظرًا لانشغالها بضبط الأوضاع الداخلية، في حين تشير الباحثة السورية – الأميركية مرح البقاعي إلى أن “الدولة السورية الجديدة في مرحلة التأسيس، ولم يتجاوز عمرها ثلاثة أشهر، لذا لم يكتمل بعد المشهد الداخلي السوري”.

البقاعي تلاحظ أن الاشتباكات على الحدود هي نتيجة لغياب الأمن في المنطقة الشرقية، حيث تنتشر عصابات التهريب التي اعتمدت على هذه الأنشطة لسنوات طويلة، مشيرة إلى أن الحل الجذري يبدأ بترسيم الحدود، وهو أمر معقد قد يستغرق وقتًا طويلًا.

وتشير بعض المصادر النيابية اللبنانية إلى أن الوضع على الحدود السورية مرتبط بشكل كبير بوضع الحدود الجنوبية، في ظل وجود قرار أميركي – إسرائيلي بتضييق الخناق على “حزب الله” ومنع تهريب الأسلحة عبر الحدود الشرقية.

بعد سقوط النظام السوري، كانت هناك مخاوف لبنانية من تفلت أمني يمكن أن يؤثر على لبنان، إلا أن السلطات اللبنانية بقيت تراقب التطورات عن كثب.
المصدر:بولا أسطيح – الشرق الأوسط

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: