
مع تصاعد المخاوف من تجدد المواجهات بين إسرائيل ولبنان، ازداد الطلب على المنازل خارج الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث يسعى العديد من سكان هذه المنطقة إلى مغادرتها خوفاً من تجدد الغارات الإسرائيلية، خصوصاً بعد تنفيذها في الأيام الأخيرة غارتين على أهداف قالت إنها تابعة لـ«حزب الله»، مما يزيد من القلق من استهدافات جديدة قد تحدث دون سابق إنذار.
هذا الارتفاع المفاجئ في الطلب على السكن في المناطق المجاورة لجنوب بيروت أو أبعد قليلاً، دفع الكثيرين للبحث عن خيارات سكنية بديلة. إلا أن البحث لا يخلو من عقبات جسيمة، من أبرزها الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات، بالإضافة إلى الروابط العملية التي يصعب التخلي عنها.
يوسف، أحد سكان الضاحية، يروي لـ«الشرق الأوسط» عن تجربة شقيق والده الذي غادر الضاحية منذ أيام قليلة إلى منزل قريب في منطقة عالية خوفاً من تعرضه وعائلته لأي مكروه. يقول يوسف: «أنا الآن أبحث عن منزل لإيجاره لوالدي في منطقة زقاق البلاط، لكن إقناعهم بالخروج ليس سهلاً»، مشيراً إلى قلقه البالغ على سلامة أفراد عائلته. كما يضيف: «خفت على ابني الصغير عندما تلقينا تحذيراً بخصوص استهداف المبنى في منطقة سان تريز، حيث كان في المدرسة المجاورة، وتمكن شقيقي من إخراجه بسرعة على الدراجة النارية».
الفقراء في مواجهة الأزمة
يتساءل يوسف: «ماذا عن أولئك الذين لا يملكون المال الكافي للاستئجار؟»، مؤكداً أن العديد من الأشخاص الذين يعرفهم لا يستطيعون مغادرة منازلهم بسبب ارتفاع تكاليف الإيجارات. وأضاف أن المشكلة تزداد تعقيداً بسبب الطلب المتزايد على الوحدات السكنية إثر تدمير العديد من المنازل في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، مما رفع أسعار الإيجارات بشكل كبير.
حماية الأطفال في ظل غياب الأمان
منذ وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شهدت الضاحية الجنوبية فترة من الهدوء النسبي، بعيداً عن الاستهدافات الإسرائيلية التي كانت تقتصر على منطقتي الجنوب والبقاع. ومع ذلك، فإن دخول الضاحية ضمن دائرة الاستهدافات جعل سكانها يشعرون مجدداً بالتهديد، خصوصاً بسبب الكثافة السكانية العالية والمباني المتقاربة التي تجعل المنطقة عرضة للضرر.
نسرين، إحدى سكان منطقة طريق المطار، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن خوفها على أطفالها الأربعة، حيث قالت: «أخاف عليهم من أن يصيبهم مكروه في أي لحظة، فإسرائيل لا تؤتمن، والخوف عاد مجدداً إلينا». ووصفت نسرين شعورها بأنها مجبرة على مغادرة المنطقة، رغم أن «هنا أهلنا وأصدقاؤنا»، لكنها ترى أنه من الضروري أن تجد مكاناً أكثر أماناً لأطفالها.
عقبات جديدة: تمييز طائفي في الإيجارات
إلى جانب ارتفاع الأسعار، يعاني بعض السكان من صعوبات تتعلق بالتمييز الطائفي في سوق الإيجارات. عليّ، الذي كان يبحث عن منزل للإيجار في منطقة المنصورية، أكد أنه فشل في الحصول على منزل بسبب رفض المالك تأجيره له بسبب انتمائه الطائفي. وقال علي: «المالك قال إنه لن يقبل تأجيري بسبب القلق من استهداف الأشخاص المنتمين إلى بيئة «حزب الله»، رغم أن الإيجار كان في متناول يدي».
خيارات بديلة رغم التحديات
خديجة، ربة منزل وأم لولدين، بدأت البحث عن خيارات سكنية بديلة عبر الإنترنت، واكتشفت بعض المنازل بأسعار معقولة في القرى المحيطة بمدينة صيدا، تراوح أسعارها بين 250 و300 دولار. وتقول خديجة: «أسعار هذه المنازل مقبولة مقارنة بما نشهده في بيروت، ولكنني أخشى أن ترتفع الأسعار إذا اندلعت حرب موسعة».
انتظار اللحظة الأخيرة
في المقابل، هناك من يفضل انتظار تطور الأحداث قبل اتخاذ القرار. سناء، التي تسكن في تحويطة الغدير، تقول: «لن أترك منزلي في الوقت الراهن، لكنني سأضطر إلى الخروج إذا تدهورت الأوضاع أكثر، أو إذا استهدفت المنطقة القريبة من منزلي». هي وعائلتها مكونة من خمسة أفراد، وتعمل ممرضة في بيروت، لذا فإنها تفضل البحث عن منزل في أطراف بيروت، حيث يكون قريباً من مكان عملها.
تجمع هذه القصص بين خوف السكان على سلامتهم وأطفالهم، وبين عقبات اقتصادية واجتماعية تجعل من المغادرة أمراً صعباً للكثيرين. وبالرغم من التحديات الكبيرة، لا يزال العديد من اللبنانيين يسعون إلى إيجاد ملاذ آمن بعيداً عن مناطق التوتر، في محاولة للابتعاد عن تهديدات قد تكون وشيكة.
المصدر : حنان حمدان – الشرق الأوسط