أورتاغوس في بيروت: أميركا تضع بري تحت المجهر

تعد زيارة نائبة المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى بيروت غداً السبت، زيارة غير عادية، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المتوترة التي تشمل سوريا وغزة واليمن، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية في لبنان. تشهد الساحة اللبنانية تزايداً في الهجمات والغارات التي تستهدف قيادات وعناصر “حزب الله”، ما يعيد إلى الأذهان السيناريو نفسه الذي حدث بعد فتح “الحزب” جبهة الإسناد وما تبعها من تطورات خطيرة وصلت إلى الحرب المدمرة، رغم التحذيرات الأميركية والفرنسية في ذلك الوقت.

في هذا السياق، تبرز الزيارة كفرصة جديدة، لكنها حاسمة، للضغط على لبنان للالتزام بتنفيذ القرارات الدولية ووقف إطلاق النار، فضلاً عن تحديد جدول زمني لنزع سلاح “حزب الله”. بات السلاح غير الشرعي عبئًا على الدولة اللبنانية، مما يعيق عمليات إعادة الإعمار ويعقد الإصلاحات الاقتصادية.

الزيارة الثانية لأورتاغوس تحمل تطورات جديدة؛ فهي ستكون أكثر جدية في تحديد مواعيد تنفيذ تسليم السلاح، إلى جانب تشكيل اللجان الثلاث، التي ستضم مدنيين وتقنيين ودبلوماسيين، للتفاوض مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البرية، الانسحاب من النقاط الخمس، وملف الأسرى.

ومع أن الموقف اللبناني الرسمي يرفض تشكيل هذه اللجان ويصر على تشكيل لجنة واحدة تضم تقنيين وعسكريين للقيام بمفاوضات غير مباشرة، فإن مصادر دبلوماسية تشير إلى أن عدم الالتزام بالاتفاقات قد يعرض مصداقية الدولة اللبنانية للتهديد في أعين المجتمع الدولي والولايات المتحدة. وتعتبر تلك المصادر أن ما يسمى “الاستراتيجية الدفاعية” ما هي إلا محاولة للتملص من المواجهة المباشرة مع “حزب الله”، الذي يواصل إصراره على أن المعركة لم تنته بعد.

وفي الوقت الذي يُنتظر فيه أن يعرض الرئيس اللبناني جوزاف عون مطالب لبنان المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي وترسيم الحدود، فإن دوائر بعبدا أكدت أن الرئيس لن يطرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية إذا ما طالبت أورتاغوس بتسليم السلاح غير الشرعي، مؤكدة أن هذا الموضوع يظل شأناً داخلياً. ومن المتوقع أن يحاول عون التوصل إلى تفاهم مع أورتاغوس للحفاظ على العلاقات الجيدة مع واشنطن، في ظل الظروف الراهنة.

من جهة أخرى، كشفت مصادر السراي الحكومي أن الموقف اللبناني موحد بشأن الطروحات الأميركية، على الرغم من التوترات الإسرائيلية في الميدان، وتستمر الحكومة اللبنانية في الالتزام بمعادلة وقف إطلاق النار وتعمل على خفض التصعيد، مع التركيز على تعزيز الدولة واستقرارها.

وفي وقت متزامن، تصدّر البيان الصادر عن عضوي لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، جيم ريش وجين شاهين، المشهد السياسي المحلي، حيث انتقدا رئيس مجلس النواب نبيه بري، داعين إياه إلى الدفع بالبلاد نحو المستقبل بدل المخاطرة بعودة الحكومة المعطلة. البيان وصف بري بالحليف المقرب من “حزب الله”، وحثّه على دعم نهضة لبنان.

وفيما يتعلق بالجيش اللبناني، انتقد البيان ببطء تحركه لتنفيذ متطلبات وقف إطلاق النار، محذراً من أن أي تردد في التعامل مع التحديات الأمنية في الجنوب قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم موقفها. وتُظهر الولايات المتحدة دعماً كبيراً للجيش اللبناني، معتبرة إياه العنصر الاستراتيجي الأهم لمواجهة نفوذ “حزب الله”.

البيان الأميركي أكد ضرورة أن تلتزم الحكومة اللبنانية بالإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، وأكدت واشنطن معارضتها لأي محاولات تقويض الحكومة الشرعية أو إفساح المجال لزيادة نفوذ “حزب الله”. كما شدد البيان على أهمية سيطرة الحكومة على الجمارك والمطار وطرق النقل لضمان ضعف “حزب الله” وتأكيد هيبة الدولة.

تتوقع المصادر المطلعة أن يكون البيان الأميركي جزءاً من رسائل أورتاغوس للمسؤولين اللبنانيين، مع التأكيد على أن واشنطن تراهن على دور الرئيسين عون وسلام، بالإضافة إلى الجيش اللبناني، في إرساء السيادة والقيام بالإصلاحات المطلوبة. كما ترى هذه المصادر أن زيارة أورتاغوس ستكون فرصة لرسم خارطة الطريق لتحسين العلاقات بين لبنان وواشنطن، مع تسريع عملية تطبيق الإصلاحات ومواجهة “حزب الله”.

وبالنسبة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، تشير المصادر إلى أن البيان الأميركي يمثل رسالة قوية له بأنه تحت المراقبة الأميركية، مع تحذيرات بأن تحالفه مع “حزب الله” قد يكون على المحك إذا لم يسهم في تعزيز سيادة لبنان ودعمه لمسار الدولة. البيان الأميركي يتضمن تحذيرات غير مباشرة لبري بشأن علاقاته مع “حزب الله”، مع التأكيد على أن الفترة المقبلة ستحدد موقف واشنطن بناءً على ما إذا كان سيستمر في دعمه للحزب أو يتحول إلى دعم الدولة اللبنانية بالكامل.


المصادر تشير إلى أن الكرة الآن في ملعب بري، حيث يُتوقع منه اتخاذ موقف حاسم يدعم سيادة الدولة اللبنانية ويساهم في تحقيق مطالب المجتمع الدولي والولايات المتحدة. وفي حال استمر بري في تحالفه مع “حزب الله” على حساب الدولة، فإن التداعيات قد تكون جسيمة، على الرغم من أن العقوبات الأميركية على بري ما زالت غير مطروحة في الوقت الراهن.

من جهة أخرى، ورد في البيان أيضًا أن وزير المالية اللبناني ياسين جابر، بالإضافة إلى الوزيران المحسوبين على “حزب الله” راكان نصر الدين ومحمد حيدر، يجب أن يعملوا على دعم نهضة لبنان بشكل كامل. بينما كان استثناء وزيرة البيئة تمارا الزين من هذا الاتهام، حيث تم التلميح إلى أن نشاطاتها معروفة جيدًا للأميركيين.

في خضم هذه التطورات، من الواضح أن الإدارة الأميركية، بما في ذلك من خلال زيارة أورتاغوس المرتقبة، تسعى إلى الضغط على المسؤولين اللبنانيين لتطبيق الإصلاحات المطلوبة، وذلك في إطار تعزيز سيادة الدولة اللبنانية، وضمان وقف نفوذ “حزب الله” في المؤسسات الحيوية. في ذات الوقت، تستمر الولايات المتحدة في التركيز على ضرورة امتثال لبنان للقرارات الدولية، والتزامه بتطبيق وقف إطلاق النار، مع التأكيد على أهمية المضي قدمًا في عملية الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لتحقيق استقرار حقيقي في البلاد

المصدر : نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top