
بقلم روعة الرفاعي
تزداد كرة النار في الشرق الأوسط اشتعالًا يومًا بعد يوم، والخوف من أن تلتهم نار الحرب التي تجتاح غزة هذه المرة المنطقة بأكملها يبدو أكثر وضوحًا. حرب الإبادة التي اندلعت مجددًا بعد فترة قصيرة من وقف إطلاق النار، تصاعدت بشكل غير مسبوق، مما يزيد من تعقيد الأوضاع في القطاع والمحيط العربي.
التظاهرات التي اندلعت في مختلف مناطق قطاع غزة تعكس تحولًا لافتًا في المزاج العام، إذ لم تعد الجموع الفلسطينية صامتة أمام ما يعتبرونه قرارات ارتجالية من حركة حماس التي أدخلت القطاع في دوامة حرب مفتوحة من دون حسابات دقيقة للنتائج. هذه الاحتجاجات الشعبية لم تعد مجرد تعبير عن الغضب العابر، بل باتت حراكًا متزايدًا يشمل مختلف الفئات، وهو ما يراه البعض مؤشرًا على تحول مجتمعي في التفكير الفلسطيني.
حسب المصادر المطلعة، فإن هذه التظاهرات ليست إلا البداية، بل من المتوقع أن تزداد حدتها في الأيام القادمة، خاصة مع تزايد الخلافات الداخلية في قيادة حماس التي لم تكن تظهر في أي عدوان إسرائيلي سابق.
هذا التباين بين قيادات حماس يعكس حالة من الاضطراب الداخلي، حيث تعيش الحركة في دوامة من الانقسام بين جناح يعارض السياسات الحالية ويبحث عن مخرج سياسي، وبين جناح آخر يستمر في الرهان على القتال ضد إسرائيل بغض النظر عن التضحيات التي يدفعها الشعب الفلسطيني. وما يزيد الوضع تعقيدًا هو ضغوطات إقليمية ودولية متزايدة، لاسيما من الولايات المتحدة التي تهدد بالتصعيد ضد إيران، وهي الحليف الأبرز لحركة حماس في المنطقة. كما أن تراجع إيران عن دعمها لأذرعها المسلحة في عدة دول عربية، بما في ذلك الحوثيين في اليمن، يعكس تغيرًا كبيرًا في التوجهات الإقليمية قد يكون له انعكاسات عميقة على حركة حماس.
في ظل هذا المشهد المعقد، تزداد المخاوف من أن تصبح القضية الفلسطينية ضحية لمصالح القوى الإقليمية والدولية. وبينما يسعى الفلسطينيون للبحث عن مخرج وسط هذا الصراع الداخلي، تواصل الدول العربية جهودها لتوحيد المواقف وتقديم دعم سياسي وإنساني، لكن رهانات جديدة على الحلول العسكرية والضغوط الخارجية قد تقوض أي مساعي لتحقيق تسوية سلمية. إذا استمرت حركة حماس في سياسة التوجه نحو تصعيد الصراع من دون أي خطة مدروسة لحماية الشعب الفلسطيني، فإن الأمور قد تنزلق إلى ما هو أسوأ.
ما يحدث في قطاع غزة اليوم يشير إلى استنزاف حقيقي للقضية الفلسطينية على الصعيدين السياسي والإنساني. فقد أصبح الوضع في غزة يميل نحو حرب مفتوحة لن تنتهي إلا بإعادة ترتيب المنطقة وفقًا لمصالح القوى الكبرى.
في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فإن الخوف الكبير هو أن تتسارع الأحداث لتصبح أكثر تدميرًا ليس فقط لغزة، بل لجميع الدول العربية المتأثرة بهذا الصراع. الوقت الآن لا يحتمل المزيد من الحروب العبثية، بل هو وقت للحلول السياسية التي تراعي حقوق الشعب الفلسطيني وتلبي تطلعاته.
الوضع الراهن في غزة والمواقف المتباينة داخل حركة حماس يستدعي الانتباه العاجل من قبل القوى الفلسطينية والعربية. فبينما تستمر الضغوط الخارجية والداخلية على الحركة، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن حماس من تخطي هذا التحدي الداخلي، أم أن انفجار الوضع سيقود إلى تحول كبير في مسار القضية الفلسطينية؟ الجواب قد لا يأتي قريبًا، لكن ما هو مؤكد أن الأحداث الجارية تشير إلى مفترق طرق حاسم قد يغير مجرى تاريخ المنطقة، ويعيد رسم ملامح القضية الفلسطينية في ضوء التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة.
دبسي: انهيار الهدنة في غزة نتيجة لليأس الفلسطيني وغياب الحماية
في حديثه لـ “ديموقراطيا نيوز”، أكد مدير مركز “تطوير للدراسات”، الباحث الفلسطيني هشام دبسي، أن انهيار الهدنة بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي جاء نتيجة لحالة من اليأس والإحباط الشديد، حيث كان الفلسطينيون قد وضعوا آمالهم في نهاية الحرب، ليتفاجأوا مرة أخرى بحرب إبادة وتجويع وتعطيش. وأشار إلى أن هذه الظروف دفعت الفلسطينيين إلى الاحتجاجات التي تنوعت بين الأشكال الفردية والجماعية، وكانت هناك محاولات من حركة حماس لقمع هذه التحركات، والتي وصلت أحيانًا إلى حد القتل الفردي.
حراك شبابي يتجاوز حدود غزة
وأضاف دبسي أن الحراك الفلسطيني هذه المرة ليس مجرد احتجاجات فردية أو عابرة، بل تحول إلى حراك مجتمعي واسع يشمل جميع أرجاء قطاع غزة، مما كسر التقليد الفلسطيني المعتاد في الأوقات التي يكون فيها الصراع مع الاحتلال. وأوضح أن الشعب الفلسطيني في غزة بدأ يعبّر عن انتقاداته لسياسات حماس بعد أن لم توفر الحرب المستمرة الحماية أو مقومات الصمود، معتبراً أن هناك مسؤولية يجب أن تتحملها حماس نتيجة لتكليفها مسؤولية حماية الشعب الفلسطيني إلى المجتمع الدولي والوكالات الإنسانية مثل “الأونروا”.
حماس و المسؤولية السياسية
و أكد دبسي إلى أن بعض القيادات في حركة حماس قد تصرفت بلا مسؤولية أخلاقية أو سياسية، خاصة في ما يتعلق بالاعتماد على المجتمع الدولي لتوفير الحماية، مشددًا على أن الفلسطينيين في غزة باتوا يحاسبون الحركة على ذلك، مطالبين بمواقف أكثر جدية في معالجة قضاياهم الداخلية.
التظاهرات الفلسطينية في ظل القمع الإسرائيلي الداخلي
وتابع دبسي مشيرًا إلى أن التظاهرات الفلسطينية محكومة بقضيتين رئيسيتين؛ الأولى تتمثل في الإبادة المستمرة التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل إسرائيل، والثانية في محاولات حركة حماس الشديدة للقضاء على هذه الظاهرة. وتطرق إلى حالات عديدة من القمع الوحشي مثل الإعدامات التي طالت شبابًا وصبايا عارضوا الحركة.
رغم ذلك، أكد دبسي أن الحراك الاحتجاجي الفلسطيني لن ينتهي قريبًا، بل ستستمر تفاعلاته وتصاعده رغم القمع الميداني.
إسرائيل وقرارات الحرب المفتوحة
وفي ما يخص الوضع السياسي الإسرائيلي، يرى دبسي أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو تتبنى سياسة حرب مفتوحة ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وأوضح أن هناك تطابقًا بين المستوى السياسي والعسكري والأمني في إسرائيل بعد أن قضى نتنياهو على أي معارضة داخل حكومته، مما يدل على أن إسرائيل ماضية في تصعيد حربها ضد الفلسطينيين، بدعم كامل من إدارة الرئيس الأمريكي ترامب.
دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وتأثيراته
وأكد دبسي أن إدارة ترامب توفر لإسرائيل كل الدعم العسكري والسياسي، وتمنحها الحماية في المحافل الدولية، ما يسمح لإسرائيل بتنفيذ سياساتها دون خوف من أي تداعيات دولية. وأضاف أن هذا الدعم الأمريكي يعزز قدرة إسرائيل على الاستمرار في حربها المفتوحة، مع تسريع تنفيذ خطط التهجير وإعادة احتلال قطاع غزة.
وقال دبسي أن المرحلة المقبلة ستكون شديدة الصعوبة على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، في ظل عدم وجود أي إشارات إلى وقف إطلاق النار أو تحسن في الوضع الأمني. مع استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل أتوقع أن تستمر الحرب المفتوحة، مما يضع الفلسطينيين في مواجهة مع واقع مرير ومؤلم “.
مصير حركة حماس
وعن مصير حركة حماس يقول:” هناك حيثيتان لهما دلالة عميقة، الحيثية الأولى تتعلق بالتصريح المعلن ل خالد مشعل وهو أهم شخصية سياسية لحركة حماس ورئيس مكتبها السياسي السابق ويمارس هذا الدور الآن هو أطلق تصريحاً يقول فيه “إن حركة حماس مستعدة للتخلي عن حكم غزة لصالح اللجنة الإدارية المتفق عليها مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية “وهذا يعني أن حركة حماس وفق تصور مشعل يمكن أن تعود لتمارس نشاطها السياسي كحزب وتتخلى عن السلاح وحكم قطاع غزة الراهن. أما الحيثية الأخرى فتتعلق بالموقف الذي أدلى به أسامة حمدان في العلاقات الدولية وهو من الجناح المعارض لجناح خالد مشعل حيث قال ” أن خالد مشعل لا يمثل حركة حماس وتصريحه ليس له أي ترجمة عملية “لذلك أعتقد أن الإنقسام بين من يرهن حركة حماس لمصالح طهران ويريد الإستمرار في القتال وفق مشيئة المرشد الأعلى في ايران، وبين إتجاه يحاول رسم مخرج مختلف يقوده مشعل يدل على أن حركة حماس تعيش واقعاً لا يمكن حسمه الآن ولا على أي بر سترسو علماً ان المصريين يمارسون ضغط شديد على الجناح الإيراني لحركة حماس و الذي يمسك بقطاع غزة و القسّام داخل غزة.
بهذا المعنى لا يمكن التنبؤ ما لم يتم التوصل لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لأن الموضوع ليس بيد القيادة الحمساوية تحديداً بل بيد من يرعاها سواء تركيا أو إيران”.
وختم دبسي قائلا”:” قضية غزة مرتبطة بالمشروع العربي الذي يريد إنشاء لجنة مجتمعية لدعم وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار على قاعدة الربط بمشروع حل الدولتين، لكن المشروع العربي حتى الآن رغم تقدمه وحضوره السياسي وقدرته على التأثير بالمجتمع الدولي وفي أوروبا الغربية ومع الولايات المتحدة الأميركية إلا أن الأمر غير محسوم طالما أن إدارة ترامب وحكومة إسرائيل لم توقف الحرب و لم تضع نهاية واضحة لإستهدافاتها والتي لا تقل عن تهجير الفلسطينيين وضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية و محاولة كسر وإلغاء إمكانية حل الدولتين.
نحن أمام مشهد شديد التعقيد بين قدرة المشروع العربي على أن يوقف الحرب و قدرة الفلسطينيين أن يجدوا طريقة للخروج من حالة الإنقسام التي تجهض كل محاولة يستطيع المشروع العربي أن يتقدم بها و لو خطوة نحو الأمام”.