
يترقّب لبنان ما ستحمله نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في زيارتها الثانية إلى بيروت بعد عودتها من تل أبيب، حيث ستجول على كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام. وتأتي هذه الزيارة في سياق استكمال مبادرتها السابقة، التي تضمنت تشكيل مجموعات عمل دبلوماسية لمعالجة ملفات الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، والانسحاب الإسرائيلي من نقاط لا تزال محتلة، وترسيم الحدود، إلى جانب جدول زمني لنزع سلاح “حزب الله”. في المقابل، تأمل بيروت أن تلمس من أورتاغوس استعداداً للتجاوب مع الموقف اللبناني الموحد، والذي يتمحور حول وقف الخروق الإسرائيلية، وانسحاب إسرائيل الكامل، وإطلاق الأسرى، كخطوات أساسية لتثبيت الحدود الدولية.
غير أن هذه الزيارة تُطرح في ظل تساؤلات لبنانية جدية: هل ستُصرّ أورتاغوس على طروحاتها السابقة التي وُصفت بأنها أقرب إلى إملاءات سياسية، أم أنها ستُبدي مرونة أكبر وتفتح الباب لحوار متوازن مع الرؤساء الثلاثة، الذين يجمعهم موقف واضح: حصر السلاح بيد الدولة ضمن استراتيجية دفاعية وطنية، تواكب الإصلاحات الضرورية وتتيح للبنان استعادة عافيته الاقتصادية والسياسية، وتُمهّد لإعادة إعمار الجنوب؟
“نقزة” لبنانية مشروعة
ما تزال الطروحات الأميركية موضع حذر لبناني، خاصة إذا لم تُؤخذ في الاعتبار المقاربة الموحدة التي يتبنّاها الرؤساء الثلاثة، والقائمة على رفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل كشرط مسبق لانسحابها، والدعوة عوضاً عن ذلك إلى سلوك المسار الدبلوماسي وفقاً لاتفاقية الهدنة، مع الاستناد إلى الآلية التي تم اعتمادها سابقاً لترسيم الحدود البحرية، برعاية فرنسية – أميركية، والتي يُنتظر من واشنطن الوفاء بالتزاماتها المرتبطة بها.
وفي هذا السياق، أفاد مصدر سياسي مطّلع لصحيفة الشرق الأوسط بأن موقف لبنان الرسمي سيكون حاضراً على طاولة النقاش مع أورتاغوس، انطلاقاً من مبدأ التزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاق الذي التزم به لبنان من طرف واحد، مؤكداً تمسّك بيروت بتطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته. واعتبر المصدر أن البنود المتعلقة بإطلاق الأسرى والانسحاب من النقاط المتنازع عليها لا تتطلب مجموعات عمل بل قراراً سياسياً من الجانب الإسرائيلي.
لا تهرّب من نزع السلاح… ولكن بشروط
المصدر ذاته أوضح أن لبنان لا يتنصّل من مطلب حصر السلاح بيد الدولة، وهو ما ورد بوضوح في خطاب القسم للرئيس عون، كما في البيان الوزاري لحكومة نواف سلام. ولفت إلى أن “الثنائي الشيعي”، وتحديداً “حزب الله”، لا يستطيع التنصّل من هذه المعادلة، كونه ممثلاً في الحكومة بشكل غير مباشر، وكان من الداعمين لمنحها الثقة.
حزب الله بين ضغط التحوّلات ومراجعة الذات
وأشار المصدر إلى أن “حزب الله” بات أمام ضرورة التكيّف مع التحوّلات الإقليمية والداخلية، وهو يخضع حالياً لمرحلة مراجعة نقدية لطبيعة دعمه لغزة، ويُدرك الحاجة إلى التمهّل لتهيئة بيئته السياسية والاجتماعية لاستيعاب تحوّله نحو مشروع الدولة، الذي يتعارض بطبيعته مع استمرار سلاحه خارج إطار الشرعية. وأضاف أن القيادة في الحزب تدرك أن ما كان مقبولاً سابقاً لم يعد قابلاً للاستمرار، في ظل الواقع الإقليمي الجديد.
وأكد المصدر أن الحل لا يمكن أن يكون عبر القوة أو الإملاء، لما قد يُحدثه من انقسام طائفي خطير في البلاد، بل عبر حوار وطني جدّي يضع استراتيجية دفاعية واضحة ضمن مهلة زمنية محددة، منعاً لتكرار تجارب الحوار السابقة التي بقيت حبراً على ورق.
ضرورة “فترة سماح” أميركية
واعتبر المصدر أن واشنطن، إذا كانت حريصة فعلاً على استقرار لبنان، مطالبة بمنح بيروت “فترة سماح” سياسية معقولة، تُتيح إنضاج تسوية داخلية تؤدي إلى بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، دون شراكة في السلاح. وأضاف أن تعليق هذا الملف دون حلول سيُبقي لبنان عالقاً في حلقة مفرغة تمنع نهوضه من أزماته.
كما دعا واشنطن إلى تفهّم الموقف اللبناني الرافض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لأنه لا يحظى بإجماع داخلي، مشيراً إلى موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أكد بوضوح أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذه الخطوة.
اختبار حاسم لواشنطن… وللحزب
ويبقى السؤال الجوهري: هل ستُظهر أورتاغوس تفهّماً للخصوصية اللبنانية وظروفها الدقيقة، وتستمع إلى طروحات الرؤساء الثلاثة؟ أم أنها ستعود إلى ممارسة الضغوط تحت عنوان نزع السلاح، متجاهلة الخروق الإسرائيلية اليومية للأجواء اللبنانية، والتي يلتزم “حزب الله” بعدم الرد عليها حتى الآن، وسط تصاعد التململ داخل قاعدته الشعبية المنقسمة بين الدعوة إلى الرد، والالتزام بضبط النفس في ظل الاغتيالات المتكررة التي تطاله؟
بين الانفتاح والتشدّد، تترقّب بيروت نتائج زيارة أورتاغوس، ومدى قدرتها على تقديم مقاربة واقعية تُجنّب لبنان الانقسام وتعيد فتح الباب أمام مسار سياسي يُنقذ البلاد من الانهيار.
المصدر : محمد شقير – الشرق الأوسط