في زمن التسويات… هل يبقى لبنان خارج ركب التطبيع؟

ليست هذه المرّة الأولى التي يُواجَه فيها لبنان بضغوط وشروط في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، بهدف دفعه نحو توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. فقد سبق أن جرت محاولات عدّة، أبرزها خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في صيف 1982، والذي بلغ العاصمة بيروت. حينها، سعت إسرائيل لفرض اتفاق 17 أيار عام 1983، إلا أن الاتفاق سقط نتيجة رفض شريحة واسعة من اللبنانيين، وبدعم مباشر من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.

لاحقاً، ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، شهدت تسعينات القرن الماضي جولات تفاوض برعاية أميركية، منها إحدى عشرة جولة في واشنطن. إلا أن المباحثات باءت بالفشل بسبب مواقف متعنتة من رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، بنيامين نتنياهو، الذي أصرّ على فرض شروط غير مقبولة وتنازلات مجحفة من الجانب اللبناني، وتجاهل الحقوق الفلسطينية، بالتزامن مع توسعة واسعة للمستوطنات، ما أوصل المفاوضات إلى طريق مسدود.

في المقابل، كان لبنان ينسّق مواقفه مع سوريا في عهد الرئيس الأسد، حيث أيّدا معاً مسار سلام شامل يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وينادي بانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. كما تبنّى لبنان “مبادرة السلام العربية” التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال قمة بيروت عام 2002، لكن إسرائيل أفشلت المبادرة كما أفشلت غيرها من المساعي.

أما اليوم، فالصعوبات باتت أشدّ تعقيداً. فقد أطاح نتنياهو بكافة الأسس التي قد تفضي إلى حلّ للقضية الفلسطينية، سواء عبر توسيع الاستيطان، أو شنّ حرب إبادة في قطاع غزّة، وصولاً إلى نفي وجود “قضية فلسطينية” من الأساس. وإلى جانب ذلك، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي قائماً لبعض المواقع الاستراتيجية في جنوب لبنان، وسط استمرار الانتهاكات اليومية لوقف إطلاق النار، تحت ذرائع مختلقة في معظم الأحيان.

أمام هذا المشهد، يجد لبنان نفسه وحيداً، غير مستعد لفتح أي نقاش حول اتفاق سلام، أو الدخول في أي تسوية، مهما اشتدت الضغوط وتكاثرت الشروط. ويبقى الأمل ضعيفًا في تغيير هذا الواقع، ما لم تُبدّل الولايات المتحدة نهجها الداعم بلا شروط لإسرائيل، وتُعيد إطلاق عملية السلام على أسس عادلة – وهو أمر يبدو مستبعدًا في الظرف الحالي
المصدر:معروف الداعوق – اللواء

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: