
تُبدي الحكومة اللبنانية مؤخراً تجاوباً واضحاً مع متطلبات الإصلاحات الهيكلية، استعداداً لجولة مفاوضات أساسية سيخوضها الوفد الرسمي خلال “اجتماعات الربيع” للبنك وصندوق النقد الدوليين في واشنطن، في الثلث الأخير من الشهر الحالي. وتُعوّل الأوساط الرسمية على تحقيق تقدم نوعي يمهّد لإطلاق خطة إنقاذ اقتصادي مدعومة دولياً.
ويضم الوفد الرسمي وزيرَي المال ياسين جابر والاقتصاد عامر البساط، إضافة إلى حاكم مصرف لبنان كريم سعيد. ويهدف هؤلاء إلى تغيير الانطباع الدولي الراسخ عن تعثّر لبنان في تطبيق الإصلاحات المطلوبة، من خلال تقديم ملف متكامل يبرز ما تم إنجازه حتى الآن، والمشاريع الموضوعة على طاولة الإقرار، خاصة تلك المرتبطة ببنود الاتفاق الأولي الموقع مع بعثة صندوق النقد قبل ثلاث سنوات في بيروت.
ومن المرتقب أن يتم تسريع إصدار المراسيم التطبيقية لعدد من القوانين السابقة، ومنها ما يتعلق بإنشاء الهيئات الناظمة لقطاعات مثل الكهرباء والاتصالات والطيران المدني. كما تعمل الحكومة على إقرار مشروع قانون إعادة تنظيم المصارف، ومشروع تعديل قانون السرية المصرفية، تمهيداً لإحالتهما إلى اللجان النيابية ثم إلى الهيئة العامة.
وتشترط الجهات الدولية استكمال الخطوات التشريعية التي تتيح تنفيذ خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتعديل قانون السرية المصرفية بما يتماشى مع المعايير الدولية في مكافحة الفساد، وتسهيل الرقابة، وإدارة الضرائب، والتحقيق في الجرائم المالية واسترداد الأموال.
في هذا السياق، تبذل الحكومة جهداً لاستكمال التعيينات في المؤسسات العامة، ومنها مجلس الإنماء والإعمار، في ظل الحاجة الملحة إلى جهة رسمية تتولى إدارة مشاريع إعادة الإعمار وتلقّي المساعدات الدولية، ومنها تعهّد البنك الدولي بتقديم 250 مليون دولار لإزالة الأنقاض، ضمن حزمة دعم يتجاوز حجمها مليار دولار.
ورغم هذا الحراك الرسمي، لا تزال التوقعات محدودة في الأوساط الاقتصادية والمالية حول إمكان التوصل السريع إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، يسمح ببدء تدفق التمويل والمساعدات الدولية. ويرتبط هذا التوجس بالتعقيدات السياسية التي تعيق مسار الإصلاح، وبضرورة التوصل إلى حل نهائي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ومعالجة الإشكالات الحدودية.
ويُتوقع أن يثير مشروع قانون إعادة تنظيم المصارف اعتراضات نيابية ومصرفية، إضافة إلى مواقف رافضة من جمعيات المودعين، نظراً لوجود ثغرات تتعلق بعدم إشراك المعنيين في آليات إعادة الهيكلة، والغموض في ما يخص توزيع الخسائر المالية المقدّرة بنحو 72 مليار دولار، وتصنيف توظيفات المصارف لدى البنك المركزي البالغة نحو 80 مليار دولار، مقابل التزامات للمودعين تقدّر بـ84 ملياراً.
وتشدد المؤسسات الدولية على ضرورة إصلاح المؤسسات العامة، وخصوصاً قطاع الطاقة، إلى جانب تنفيذ إصلاحات مالية تضمن استدامة الدين العام، وتفتح المجال أمام الإنفاق على البنية التحتية والبرامج الاجتماعية، في إطار إعادة هيكلة الدين الخارجي الذي يبلغ نحو 31 مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة كانت قد علّقت سداد هذا الدين منذ ربيع عام 2020، ولا تزال تتريّث في فتح باب التفاوض مع الدائنين، وغالبيتهم من المؤسسات المالية الدولية.
كذلك، تضع الجهات الدولية مكافحة الفساد، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وتعزيز الشفافية والمساءلة في مقدمة شروطها. وقد بدأ لبنان باتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، من خلال إجراءات أمنية وقضائية لملاحقة الجرائم المالية، في محاولة للاستجابة للملاحظات الدولية، ولا سيما تلك الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF)، التي أدرجت لبنان في الخريف الماضي ضمن القائمة الرمادية للبلدان التي تُظهر قصوراً في مكافحة غسل الأموال.
المصدر:علي زين الدين – الشرق الأوسط