
كتب د. عبدالله بارودي
حين أعلن الرئيس الشهيد رفيق الحريري “توقيف العدّ” اعتماد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان عمومًا والعاصمة بيروت -خصوصًا- كان يعلم تمامًا انه وحده القادر على ضمان هذه “الصيغة”.. و لعلّ معظم الأطراف المسيحية -ان لم نقل جميعها – لم تنكر للحظة واحدة بأن ما كرّسه رفيق الحريري في بيروت لا يمكن لها بأي حال من الأحوال المحافظة عليه بغياب هذا الرجل..
جاء الرئيس سعد الحريري ليطمئن المسيحيين من خلال تمسّكه برسالة والده، و ليأخذ على عاتقه حماية هذا “العرف”، و يصرّ على متابعة نهج رفيق الحريري في تثبيت مداميك العيش الواحد بين أبناء بيروت دون تمييز أو مفاضلة بين منطقة و أخرى أو بين حيّ وآخر.. فالكل سواسية “كأسنان المشط”..
استمرت الأمور على حالها، و في كل استحقاق بلدي كان سعد الحريري يؤكد على “المناصفة” و حمايتها عبر دعم لائحة تضم 24 مرشحًا موزعين بالتساوي بين المسلمين و المسيحيين يمثلون كل مناطق بيروت من الأشرفية وصولًا الى رأس بيروت و ما بينهما..
و رغم التغيير “الديموغرافي” الهائل الذي لا يمكن لأحد انكاره، بإتساع الهوّة “النسبية” بين عدد المسلمين و المسيحيين في العاصمة و التي وصلت اليوم لحدود 70% (مسلمين) مقابل 30 % ( مسيحيين)، لا يزال الرئيس الحريري مُصرًّا على اعتماد “المناصفة” بين الطائفتين حفاظًا على وحدة بيروت و أبنائها.
لكن المشكلة التي يبدو ان قيادة “تيار المستقبل” تواجهها حاليًا هي اعتراض فئة كبيرة من “البيارتة” على هذا الأمر، في ظلّ المعاناة التي تحمّلوها طوال عقود من الزمن نتيجة تجاهل مطلبهم المزمن بإعادة الصلاحيات التنفيذية للمجلس البلدي و رئيسه، كما هو معمول به في جميع البلديات اللبنانية..
فمن المعلوم، ان مجلس بلدية بيروت هو المجلس الوحيد في لبنان الذي انتقلت صلاحياته لعهدة المحافظ، فأصبحت بمعظمها بيده و حده، ما أدى الى تحمّل رئيس المجلس المسؤولية عن أي تقصير بلدي يلحق بالعاصمة و أهلها، رغم ان القرار النهائي بيد المحافظ حصرًا..
و تؤكد المصادر ل” ديموقراطيا نيوز” ما حصل في عهد الرئيس الراحل “صائب سلام” أنه نتيجة تخوّفه من منافسة رئيس البلدية على كرسيّ “الرئاسة الثالثة” حينها، قام بنقل كل الصلاحيات الى المحافظ.. و استمرت هذه “الخطيئة” ليومنا هذا!..
و في كل مرة، يتحمّل “تيار المستقبل” و الرئيس سعد الحريري أعباء المجلس و تقصيره، إما بسبب الخلل في الصلاحيات وتعنّت المحافظ، أو نتيجة تعطيل متعمّد يقوم به بعض أعضاء المجلس من لون طائفي معيّن!..
و تضيف المصادر: ” نفذ صبر أهلنا في بيروت، و هم يطالبون اليوم بإعادة هذه الصلاحيات الى المجلس البلدي و رئيسه مقابل المحافظة على “المناصفة” و السير أو الإلتزام بها”..
و بحسب المعلومات التي حصل عليها “ديموقراطيا نيوز” تتحضّر القوى السياسية المسيحية لطرح تعديل على قانون الإنتخابات لضمان “المناصفة” من خلال انتخاب 12 عضوًا مسيحيًا مقابل 12 عضوًا مسلمًا، إما عن طريق “اللوائح المقفلة”، أو بصيغة أخرى يتم العمل و الإتفاق عليها..
و تشير المعلومات، الى ان الحلّ الآخر بالنسبة لتلك القوى في حال لم يتم السير بالتعديل، الإصرار على تواجد الرئيس سعد الحريري في لبنان لأنه الوحيد القادر على تشكيل لائحة تضمن “المناصفة” في بيروت..
مصادر ” تيار المستقبل” تؤكد ل “ديموقراطيا نيوز” بأنها أساسًا لا تزال تنتظر قرار الرئيس سعد الحريري النهائي بخوض الإنتخابات البلدية من عدمه. و بالتالي لا يمكن لأي جهة ان تفرض على الحريري أو تجبره على التواجد في لبنان خلال الإستحقاق الإنتخابي لأي سبب من الأسباب أو تحت أي ظرف من الظروف، فهو وحده من يحدّد مسار عمله السياسي و طريقة خوضه..
و تضيف نفس المصادر : ” نحن ملتزمون بتحقيق رغبة الرئيس الحريري في المحافظة على “المناصفة”، وهذا ما جرى التأكيد عليه في اجتماعنا التنسيقي معه أثناء تواجده مؤخرًا في بيروت، و ليس لدينا مشكلة بأي تعديل تطرحه القوى المسيحية لضمان هذا الأمر.
لكن في المقابل تضيف المصادر، على الجميع ان يعي بأننا لن نقف في وجه مطالب أبناء بيروت المحقة، بحيث يجب ان يتضمن أي تعديل إستعادة الصلاحيات التنفيذية للمجلس البلدي و رئيسه كما هو سائر في كل البلديات على مساحة الوطن، و الا فليتحمّل الجميع مسؤولياته و نتيجة خياراته..
وتختم مصادر “المستقبل”: “لم يعد التيار قادرًا على مواجهة “بيئته”، و أن يقف مكتوف الأيدي في مواجهة “السهام” التي توجّه الى “صدره” من خلال تحميله المسؤولية عن أي تقصير أو إهمال بلديّ لا يُسأل عنه بحكم توزيع الصلاحيات المعمول به حاليًا، زمن “الدلع” ولّى الى غير رجعة!..