
تطلّ الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان هذا العام بنفَس جديد، عنوانه الأبرز “الاندفاعة الشبابية” نحو المجالس المحلية. فما إن تمّ تأكيد إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر في أيّار المقبل، حتى بدأ عدد كبير من الشباب بالتعبير عن رغبتهم في خوض غمار هذه التجربة السياسية، وبدأت تتشكّل تحالفات ولائح انتخابية مبنية على رؤية إنمائية موحّدة وتوجهات سياسية متقاربة.
خلال العقد الأخير، بدأ الشباب اللبناني بالدخول إلى الحلبة السياسية بشكل ملحوظ، في مجتمع لطالما سيطرت عليه نُخب تقليدية متقدمة في السن، لم تعد تعكس طموحات الجيل الجديد. على سبيل المثال، بلغ متوسط أعمار نواب البرلمان في انتخابات 2018 نحو 58 عامًا، أي أقل بست سنوات من متوسط أعمار نواب 2010. أما في انتخابات 2022، فقد تراجع هذا المتوسط إلى 55.6 عامًا، مع دخول لافت لشباب في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر. كذلك، أخذت الحكومات المتعاقبة في الاعتبار أهمية إشراك الطاقات الشابة، ما انعكس على انخفاض تدريجي في متوسط أعمار الوزراء.
أولى بوادر هذا الحضور الشبابي ظهرت في الانتخابات البلدية لعام 2016، حيث تراوح أعمار الفائزين بين 25 و85 عامًا، وسجّلت نسبة الشباب بينهم 35%، في مؤشر واعد يُبنى عليه. غير أن الانتخابات البلدية والاختيارية التي كانت مقرّرة عام 2022، تأجلت ثلاث سنوات، وسط أزمات متلاحقة وأحداث مفصلية شهدها لبنان بين 2016 و2025، من انهيار اقتصادي إلى احتجاجات شعبية وتحولات سياسية عميقة.
كل هذه التحديات ساهمت في بلورة رؤية شبابية جديدة، دفعت بالكثير منهم إلى الدخول في المعترك السياسي، مدفوعين برغبة في التغيير والمشاركة الفاعلة في صناعة القرار. فمع ارتفاع مستوى التعليم، وتوسّع الأحزاب بقاعدتها الشبابية، بات العديد من الشباب يرفضون منطق العائلية والتوريث السياسي، ويسعون إلى كسر احتكار القرار.
الحركات الاحتجاجية التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، والتي كان الشباب محركها الأساسي، شكّلت دافعًا إضافيًا لآخرين للانخراط في الشأن العام، من أجل التأثير في السياسات العامة ورفع المستوى المعيشي والحدّ من هجرة الكفاءات، ومعظمها من فئة الشباب. كما ساهمت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تشكيل وعي سياسي واجتماعي جديد، عزّز من حضور الشباب ودورهم في التعبير والمشاركة.
اليوم، يتطلع الشباب اللبناني إلى إحداث تغيير جذري في المجتمع، سياسيًا واجتماعيًا، ويعتبرون أن دخولهم المجالس البلدية سيكون الخطوة الأولى نحو تنمية حقيقية، وتعزيز حضورهم في مدنهم وقراهم، والمساهمة في توجيه المجتمع نحو مستقبل أفضل.
المصدر:مريم حرب – خاص موقع Mtv