تصعيد إسرائيلي خطير في لبنان: اغتيالات ممنهجة ومعادلات اشتباك جديدة في ظل توتر إقليمي

تشهد الساحة اللبنانية تصعيداً خطيراً ونوعياً في السلوك العسكري الإسرائيلي، يتمثل في تكثيف عمليات الاغتيال التي تستهدف كوادر من «حزب الله» وتنظيمات لبنانية وفلسطينية متحالفة معه.

وأوضح مصدر دبلوماسي في بيروت لصحيفة «الأنباء» أن “هذا التحول في قواعد الاشتباك لا يبدو مجرد رد أمني آني، بل يعكس توجهاً استراتيجياً لدى إسرائيل لإعادة رسم حدود الردع في لبنان، في ظل مرحلة إقليمية تتسم بالتعقيد الشديد”.

وأشار إلى أن توقيت هذه العمليات يرتبط بشكل مباشر بالمواقف الأخيرة الصادرة عن قيادة «حزب الله»، ولا سيما تصريح نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، الذي أكد بلهجة حازمة رفض تسليم السلاح، وأعاد إلى الواجهة مفردات من زمن المواجهة المفتوحة، كـ “قطع اليد” التي تقترب من المقاومة وسلاحها.

ورأى المصدر أن هذا الخطاب يعكس موقفاً مزدوجاً: من جهة تأكيد التمسك بخيار المقاومة رغم الضغوط، ومن جهة أخرى توجيه رسالة إلى القاعدة الشعبية بأن المساس بالسلاح هو مساس بالكرامة والوجود.

وأضاف: “في المقابل، ترى إسرائيل في هذا الخطاب تصعيداً متعمداً ومؤشراً على نية المواجهة، ما يبرر – من وجهة نظرها – اعتماد نهج الاغتيالات الوقائية، بهدف تقويض البنية القيادية للمقاومة، وقطع الطريق على أي محاولة لتحصين الساحة اللبنانية أمام الاختراقات”.

لكن بحسب المصدر، لا يمكن فصل هذا التصعيد عن السياق الأوسع للمفاوضات الأميركية – الإيرانية، الجارية وسط مناخ إقليمي ملتبس. فإسرائيل تخشى أن يسفر أي تقدم في هذه المفاوضات عن تعزيز موقع إيران الإقليمي، وبالتالي تحرير حلفائها – كـ «حزب الله» – من بعض القيود المفروضة عليهم.

وبالتالي، فإن تل أبيب تسعى لإفشال هذا المسار التفاوضي عبر إشعال ساحات الصراع غير المباشر. ومن هذا المنظور، يصبح التصعيد ضد «حزب الله» جزءاً من معركة إقليمية كبرى، تتجاوز حدود الصراع الثنائي بين لبنان وإسرائيل.

ويحذر المصدر من أن تداعيات هذا التصعيد تتعدى أهدافه المباشرة، مشيراً إلى إمكانية توسع رقعة العمليات لتطال مناطق أوسع، ما قد يحوّل لبنان بأكمله إلى ساحة مواجهة مكشوفة، وهو سيناريو ينذر بضرب ما تبقى من السيادة اللبنانية، ويعيد البلاد إلى أجواء الحرب المفتوحة، بما تحمله من تداعيات مدمّرة على الأمن والاقتصاد.

وتابع قائلاً إن إسرائيل قد تراهن على استراتيجية “الاستنزاف البطيء” من خلال اغتيال الكوادر وإضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة دون الذهاب نحو مواجهة شاملة، إلا أن هذا النهج قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فاستهداف رموز قيادية أو تنفيذ عمليات داخل مناطق حساسة قد يدفع إلى ردود غير محسوبة تُشعل مواجهة أوسع في المنطقة.

ويرى المصدر أن لبنان يقف اليوم أمام معادلة شديدة الحساسية: صراع على السلاح والقرار السياسي، يتخلله تبادل للرسائل الدموية وسط تداخل الحسابات الإقليمية والدولية.

وفي ظل هذا التصعيد، يرسم المصدر ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار الأزمة:
1. استمرار الاغتيالات المحدودة: حيث تواصل إسرائيل سياسة الضربات المدروسة، مع رهانها على عدم رد «حزب الله» تفادياً لحرب شاملة، خاصة في ظل انشغال طهران بالمفاوضات.
2. تجاوز الخطوط الحمراء: من خلال تنفيذ عملية نوعية تستهدف قيادة مركزية أو منطقة حساسة، ما قد يستدعي رداً مباشراً من الحزب يقود إلى حرب محدودة أو مفتوحة.
3. اتساع دائرة الاستهداف: بحيث تشمل عمليات الاغتيال أطرافاً أخرى من الحلفاء، ما يؤدي إلى تفكك الوضع الأمني الداخلي، ويعيد مشهد الفوضى والانهيار، بما يخدم الأجندة الإسرائيلية على المدى الاستراتيجي.

وختم المصدر بأن لبنان دخل فعلياً في مرحلة جديدة من المواجهة، تختلط فيها العوامل الداخلية بالإقليمية والدولية، وكل تطور ميداني قد يحمل تأثيراً مفصلياً على مسار الصراع. وعليه، فإن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح المرحلة القادمة، سواء نحو مواجهة مفتوحة أو تهدئة مؤقتة بانتظار اتضاح صورة التسويات الكبرى.
المصدر: داود رمال الأنباء الكويتية

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: