أميركا والصين … صدام يقترب

لا تزال الولايات المتحدة تمسك بزمام الهيمنة العالمية، باعتبارها “الإمبراطورية الرومانية الجديدة”، لكنها تراقب عن كثب صعود الصين، الخصم الوحيد القادر على تهديد تفوقها، إن لم تُحسن واشنطن إدارة مصالحها في عالم يتقلّب جيوسياسياً. الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدرك خطورة هذا التحدي، ويُولي العلاقة مع بكين أولوية قصوى، في ظلّ تنافس استراتيجي مفتوح بين القوتين.

يسعى ترامب إلى إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية وتحسين العلاقات مع موسكو، في محاولة لعزل روسيا عن الصين. غير أن تطبيق نسخة معكوسة من استراتيجية كيسنجر قد لا تنجح كما في السابق، رغم أن نجاحها النسبي قد يحدّ من تقارب موسكو وبكين، الذي تعزّز بفعل العقوبات الغربية. غير أن هذه المحاولة تصطدم بواقع سياسي معقّد، وتناقضات تهدد تماسك “الناتو”.

في المقابل، تعتمد الصين سياسة توسيع نفوذها في آسيا. فزيارة الرئيس الصيني الأخيرة لفيتنام وماليزيا وكمبوديا، وما تبعها من اتفاقات، تؤكد اهتمام بكين بتعزيز علاقاتها الإقليمية. كما تردّ واشنطن بخطة تطويق جيوسياسي واقتصادي عبر تحالفات من اليابان إلى أستراليا، مع السعي لجذب مزيد من شركاء جنوب شرق آسيا.

تايوان تبقى نقطة اشتعال مرشحة للانفجار، خاصة مع احتمال فرض الصين حصاراً دائماً عليها بدل شنّ غزو شامل، وهو سيناريو أكثر قابلية للتنفيذ حالياً، رغم مخاطره الإقليمية العالية. وإذا ما اندلعت مواجهة عسكرية، قد تنخرط الولايات المتحدة واليابان في النزاع، مما يهدد بانهيار البيئة الأمنية في آسيا.

في الشرق الأوسط، يعمل ترامب على إنهاء حرب غزة، وتوسيع “اتفاقات أبراهام”، وإبرام صفقة مع إيران، بما يعزز استقرار المنطقة ويُخفف العبء عن واشنطن، لتوجيه اهتمامها نحو آسيا. جولة ترامب المقبلة على السعودية وقطر والإمارات، وزيارة مودي الأخيرة للرياض، تأتي في هذا السياق، خاصة في ظل منافسة “مبادرة الحزام والطريق” الصينية.

رغم أن المواجهة الأميركية – الصينية لا تزال باردة، إلا أن احتمالات التصادم ترتفع مع تراكم الخلافات في ملفات تمتد من التجارة والتكنولوجيا إلى الأمن والسيادة. وإن نجحت القوتان في تقاسم النفوذ وإعادة تشكيل النظام الدولي سلمياً، فسيكون ذلك حدثاً استثنائياً في تاريخ عادةً ما يُكتب بالدماء، لا بالحكمة.

المصدر : جوزيف حبيب- نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: