
أخذت الحكومة اللبنانية على عاتقها، في الوقت الراهن، إعداد مشروع قانون لمعالجة الخسائر المالية بهدف استعادة التوازن في النظام المالي، وذلك بعد نجاحها في تعديل قانون السرية المصرفية وإحالة مشروع قانون لإصلاح أوضاع المصارف وتنظيمها إلى المجلس النيابي. وارتبط سريان هذا المشروع بتشريع يقضي بتوزيع عبء الفجوة المالية المقدرة بنحو 72 مليار دولار.
تُعد هذه المهمة صعبة على المستويين الحكومي والتشريعي، بسبب التباين العميق في المواقف الذي يصل إلى حد التناقض بين الأطراف السياسية داخل مجلس الوزراء أولاً، ثم بين الكتل النيابية ثانياً. كما أن الإمكانيات المحدودة للدولة والبنك المركزي والقطاع المصرفي تزيد من المخاوف من أن تُستنسخ التجارب السابقة التي استهدفت المودعين بوصفهم الحلقة الأضعف في النظام المالي المعقد.
الضغوط الخارجية
بعيداً عن الضغوط الخارجية التي تؤثر بشكل حيوي على مختلف الملفات، فإنها تفرض أولويات تتعلق بتعزيز سلطة الدولة و«حصرية» السلاح. وفي هذه المرحلة المالية الحرجة، وحسب تقديرات أحد المسؤولين الماليين الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، ستواجه الأطراف الداخلية في السلطتين التنفيذية والتشريعية ضغوطاً كبيرة لإعلان مواقف حاسمة بشأن كيفية توزيع «الخسائر» التي طال أمدها لمدة ست سنوات. ومن المتوقع أن تفقد الحكومة والبرلمان مرونة المناورة التي كانت متاحة لهما، والتي سمحت بتمرير تعديلات قانون السرية المصرفية والمشروع «المعلّق» لإعادة هيكلة المصارف.
أهمية الملف السياسي والانتخابي
يكتسب هذا الملف أهمية استثنائية خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التي تبدأ الشهر المقبل بانتخابات المخاتير والبلديات، لتتبعها الانتخابات النيابية بعد عام، وهو ما سيترتب عليه تغيير في موازين القوى السياسية. وفي هذا السياق، تزداد المخاوف من أي اقتراحات قد تضر بالمودعين الذين يمتلكون حسابات بنكية بمبالغ ضخمة.
الخلافات السياسية
يشير المسؤول المالي إلى وجود خلافات جوهرية بين الأطراف السياسية، تبدأ بتحديد طبيعة الفجوة بين من يعتبرها «خسائر محققة» أو «ديوناً واجبة الدفع». ففي حالة اعتبارها خسائر محققة، كانت اقتراحات الحكومات السابقة تهدف إلى الحفاظ على الموارد المالية للدولة بحد أدنى، باستثناء بعض المساهمات الرمزية في رأسمال البنك المركزي. أما في حال اعتبارها ديوناً، فالدولة ملزمة بتغطية الخسائر وفق المادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تنص على ضرورة تغطية العجز من الاحتياط العام أو من الخزينة.
اقتراحات تحميل الخسائر
من جانبه، حسم مجلس شورى الدولة في وقت مبكر المسألة القانونية المتعلقة بحقوق المصارف والمودعين، حيث ألغى قراراً سابقاً لمجلس الوزراء يقضي بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، بهدف تقليص العجز في رأسمال البنك المركزي. وفي هذا الصدد، يشير المسؤول المالي إلى أن تحميل الجهاز المصرفي جميع الأعباء لا يعد حلاً فعالاً، إذ أن الموجودات المصرفية في الوقت الحالي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من مطلوبات المودعين.
التحديات المستقبلية
وبينما تواصل الحكومة البحث عن حلول لتغطية الفجوة المالية، يشير المسؤول المالي إلى صعوبة إقرار مشروع القانون الذي يعكف المجلس النيابي على مناقشته. كما يتعين على الحكومة إيجاد حلول لمشكلات مستحقات الديون السيادية (اليوروبوندز) التي تبلغ قيمتها نحو 31 مليار دولار، إضافة إلى الفوائد التراكمية التي تصل إلى نحو 11 مليار دولار.
وفي هذا الإطار، أكد الحاكم الجديد لمصرف لبنان كريم سعيد خلال مشاركته في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن أن «أولوية مصرف لبنان هي الحفاظ على أصول الدولة»، مشيراً إلى أن المصرف يعمل جنباً إلى جنب مع الحكومة والمصارف لاستعادة الاستقرار المالي، مع الالتزام بالشفافية وتطبيق أفضل المعايير العالمية في العمل المصرفي.
المصدر:علي زين الدين
الشرق الأوسط