
هل باتت الضاحية الجنوبية لبيروت مسرحاً لـ”ضربات تذكيرية” تشبه رسائل نارية تبعث بها إسرائيل عبر “صندوق بريد” لم يعد محصوراً بجغرافيا محددة، في سياق ترسيخ لبنان كمنطقة عمليات لسلاحها الجوي؟
هذا التساؤل برز بقوة بعد الغارة التي نفذها الطيران الإسرائيلي مساء أمس على منطقة الجاموس – الحدت في الضاحية الجنوبية، مستهدفاً منشآت زعمت تل أبيب أنها تُستخدم لتخزين أسلحة تابعة لـ«حزب الله». الغارة جاءت بعد تحذير عاجل ومباغت وجهه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة «إكس»، ما أدى إلى حالة من الذعر وحركة نزوح واسعة، رافقها إطلاق نار كثيف لحث السكان على إخلاء المنطقة التي وُسمت بعلامة X، قبل أن تُنفذ ثلاث غارات متتالية.
اللافت أن هذه الضربة تُعد الأولى من نوعها منذ وقف إطلاق النار المعلن في 27 تشرين الثاني، والتي كسرت معادلتين سابقتين وضعتهما إسرائيل: الأولى «الجليل مقابل بيروت»، والثانية غير معلنة، تتعلق باغتيالات لا خطوط حمراء أمامها، كما عبّرت عن ذلك الغارة التي استهدفت القيادي في «حزب الله» حسن بدير مطلع نيسان.
ووفق مصادر سياسية، فإن الغارة الأخيرة تمثل تصعيداً واضحاً من قبل إسرائيل في فرض تفسيرها الخاص لبنود وقف إطلاق النار، مع تحذيرات من أن تكون هذه الضربة بداية لنهج جديد يكرّس خرق الاتفاق تدريجياً، ويستهدف تقويض «حزب الله» من جهة، وزيادة الضغط على الدولة اللبنانية من جهة أخرى، ضمن سيناريو يرمي إلى إسقاط الضوابط التي رافقت الهدنة.
وتربط هذه الأوساط التصعيد بمسارين متوازيين:
• الأول، يتعلق برفض «حزب الله» مناقشة مسألة سلاحه إلا ضمن شروط مسبقة، منها انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، والإفراج عن الأسرى، ووقف الاعتداءات، وبدء إعادة الإعمار. وترى إسرائيل في هذا الموقف مماطلة غير مقبولة، وتستخدم التصعيد العسكري للتذكير بأن الوقت ليس مفتوحاً أمام الحزب أو الدولة اللبنانية لمعالجة ملف السلاح.
• الثاني، يخص المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، وسط خشية من أن تكون إسرائيل ترسل رسالة بأن ملف «حزب الله» منفصل تماماً عن هذه المحادثات، وسيبقى هدفاً لضغوط عسكرية، حتى في حال حدوث تقارب أميركي–إيراني.
في هذا السياق، يجد لبنان نفسه مجدداً أمام تحدٍ خطير: فملف سلاح «حزب الله» الذي يفترض أن يكون جزءاً من حوار استراتيجي، يبدو اليوم عنصراً معرقلاً لأي مسار للنهوض. إذ تتصاعد المخاوف من أن تسبق التطورات الأمنية أي حلول سياسية، وتُدخل البلاد مجدداً في أتون حرب لا تملك الدولة اللبنانية القدرة على تجنبها.
في هذا الإطار، دان الرئيس جوزاف عون الاعتداء الإسرائيلي، مؤكداً أن على كل من الولايات المتحدة ولبنان، كضامنين لاتفاق وقف الأعمال العدائية، تحمّل مسؤولياتهما في إلزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها، محذّراً من أن استمرار التصعيد يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
وترى مصادر سياسية أن إبقاء لبنان في مرمى النيران الإسرائيلية لا يهدد فقط جهود الإصلاح، بما فيها إقرار قوانين مفصلية كالسرية المصرفية، بل يُجهض أيضاً أي فرصة حقيقية لدعم مالي أو إعادة إعمار. كما أن تصاعد العنف قد يُفرغ العملية السياسية من مضمونها، حتى في استحقاقات أساسية كالانتخابات البلدية والاختيارية المقررة الأحد في جبل لبنان، والتي تُعد اختباراً تمهيدياً للانتخابات النيابية المقبلة
المصدر:الراي الكويتية