
بقلم أبو راغب
اللغة ليست فقط وسيلة تواصل بل انها تعكس الثقافة والتقاليد و تحتوي على طريقة تفكير الفرد و المجتمع هي تعبير عن الهوية و الأنتماء .
يقول الشاعر اللبناني مخائيل نعيمة ” ان أوسع اللغات و أبسطها و أجملها تلك التي تكون لغة الفكر و العاطفة ,اما لغة الألسن و الشفاه فهي السلّم الذي نصعد بواسطته الى لغة الافكار و القلوب .”
تلعب اللغة دورًا محوريًا في تشكيل هوية المجتمعات والثقافات. فهي ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أداة تحمل في طيّاتها تاريخًا، وقيمًا، وتقاليد، وطريقة تفكير شعب بأكمله.
عندما ننظر إلى اللغة، فإننا لا نرى كلمات فقط، بل نرى ثقافة تنعكس في طريقة التعبير، في الأمثال الشعبية، وفي الأسلوب الذي نتحدث به عن العالم من حولنا. وما يميّز ثقافة أي مجتمع هو المتوارث من الأمثال الشعبية
و الأغاني الفلكلورية و الشعبية كما فنون الشعر و المسرح جميعها تشترك بخصائص اللغة الخاصة لهذا المجتمع.
نستطيع ان نصف اللغة كوعاء يتشكل داخله كل الفنون و الأداب و التقاليد و القيم فيكون متميّزًا ومختلفًا عن باقي الأمم و الشعوب.
اللغة لا تعكس الثقافة فحسب، بل تؤثر أيضًا على طريقة تفكير المجتمع. فمثلاً، في اللغة اليابانية، تُستخدم تعابير مختلفة بحسب مكانة الشخص الاجتماعي، وهذا يعكس تركيز المجتمع الياباني على الاحترام والتسلسل الهرمي.
أما في اللغة العربية، فنجد ثراء في المفردات المرتبطة بالقيم مثل الشرف، والكرامة، والضيافة، ما يدل على أهميتها في التفكير العربي.
و في اللغة الإنكليزية مثلاً، كثرة الأفعال العملية والمصطلحات المرتبطة بالإنتاج والعمل تعكس ثقافة تركز على الإنجاز والفردية. أما بعض اللغات الأصلية في أميركا الجنوبية، فتفتقر إلى مفاهيم معينة كـ “الملكية الفردية”، ما يدلّ على فكر جماعي ومجتمعي أكثر.
هذا يؤكد أن اللغة ليست محايدة، بل تشكّل إطارًا نفكر من خلاله. فهي تحدد ما نلاحظه، وكيف نصف الأشياء، وما نعطيه أهمية في حياتنا.
في لبنان، و مع وجود تنوّع لغوي و ثقافي، تظهر هذه العلاقة بوضوح، حيث تؤثر الخلفيات اللغوية المختلفة على طريقة التفكير، و على القيم الاجتماعية و السلوك اليومي.
من هنا، تأتي أهمية الحفاظ على لغتنا الأم، لأنها ليست فقط وسيلة للتواصل، بل مرآة حقيقية لفكرنا وثقافتنا وهويتنا.
نعود للمفكر مخائيل نعيمه الذي يقول ” لو تبصر ضفادع اللغة العربية يومًا في تاريخ لغتهم لوجدوا فيها أصدق شاهد على حركية اللغه و حياتها المستمرة . ألا يرون أن ما نستعمل اليوم من حروف و كلمات في كتاباتنا و على منابرنا و في نوادينا هو غير لغة مضر و تميم و حمير. ألا يرون أنه لو أتيح لأسلافنا التسلط على حاضرنا لكانت لغتنا تبحث لليوم عن معنى الحيزبون و الدردبيس
و العلطبيس .
خلاصة أن اللغة ليست مجرّد حروف و كلمات بل هي وعاء تفكير و هوية و مسؤوليتنا أن نحافظ عليها و نعزّزها .
و لكم و لنا طول البقاء