
جوزاف وهبة
في حديث له إلى موقع “ديمقراطيا نيوز”، يقول النائب أشرف ريفي أنّ “سيناريو خلدون الشريف التوافقي قد فشل”، وبالتالي فهو سيترك الحرية لأنصاره في الإقتراع، أو يمكن له أن يوجّههم للتصويت للائحة التي “تتناسب مع توجّهاتنا”. وأضاف أنّه “ينتظر عودة النائب فيصل كرامي لاتّخاذ الموقف المناسب”: ماذا يعني أن ينتظر اللواء ريفي خصمه السياسي المفترض كي يقرّر المصير البلدي، وماذا لو أنّ كرامي يتّجه – كما يقال – إلى دعم لائحة العميد المتقاعد محمد الفوّال التي تتعرّض على مواقع التواصل الإجتماعي لحملة تصنيف “فلول النظام السوري” الذين طالما عُرف اللواء بهجومه الشرس عليهم، وبناءً على ذلك حصد في إنتخابات طرابلس 2022 الرقم الأعلى في الأصوات؟
وإذا تجاوزنا هذا “الإنتظار غير المبرّر”، كيف يفسّر معالي الوزير السابق عدم تدخّله في الإستحقاق البلدي، تاركاً رياح بلدية مدينته تائهة بين صبغة إسلاموية غير محبّبة، وبين عصبة سياسية من زمن مضى؟ وإذا كنّا نجد الأعذار المشروعة لكلّ من الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي في “النأي بالنفس” نتيجة توجّهات خارجية قاصرة، فما هو عذر اللواء ريفي في نفض يديه من “سيناريو خلدون الشريف..وغير خلدون الشريف”.. والسؤال الأبرز الذي لم يتطرّق إليه في مقابلته القصيرة:لماذا فشل أصلاً سيناريو الشريف، ومَن أفشله يا سيادة اللواء؟
في بيانيه اللذين نشرهما الشريف، تطرّق بوضوح إلى الأسباب الموجبة التي دفعته إلى الإعتذار عن متابعة ترشّحه وتشكيل اللائحة الإئتلافية المفترضة، وهي كالتالي:
-عدم جدّية الداعمين للائحة التوافقية في النزول على الأرض عبر ماكيناتهم ومؤيديهم، ما يجعل المعركة مكتملة العناصر، خاصة وأنّه من دون السياسيين لم يكن بوارد خوض هذه المعركة لمعرفته بحدود قدراته الذاتيّة:لماذا لم تحرّكوا ماكيناتكم، أيّها السادة النوّاب؟ وإذا كان كلام الشريف غير دقيق، لماذا لم يُجب أحد على إتّهاماته أو تفسيراته؟
-بنى الشريف معركته على حاجة المدينة إلى مجلس بلدي متجانس (كي لا تتكرّر الأخطاء القاتلة للمجلسين السابقين اللذين تناوب عليهما 4 رؤساء دون نتيجة تُذكر، وهم:الدكتور نادر غزال، المهندس عامر الرافعي، المهندس أحمد قمر الدين والطبيب رياض يمق).وإذا كانت تجربة اللواء مع المجلس الحالي “غير مشجّعة” (وهي كذلك)، فالردّ على الفشل لا يكون بالإنكفاء، وإنّما بالإستفادة من الأخطاء، والبناء عليها، لأنّ العمل البلدي لا يمكن فصله عن العمل السياسي بأيّ شكل من الأشكال، شرط أن يُحسن السياسي خياراته وأن يُدير اللعبة وِفق مصلحة الناس وليس وِفق مصالحه الخاصّة أو الإنتخابية..ولا شيء يمنع ريفي (وغيره من النواب) أن يكونوا على هذا القدر من المسؤولية، وليس على قياس ما يجري راهناً من تخبّط وضياع!
-ربط الشريف بين استمراره بالمعركة وبين توفير العناصر اللازمة للفوز بمجلس بلدي متنوّع يضمّ 3 أنواع من الأعضاء:الكفاءات، العنصر النسائي والتوزّع الطائفي بمعنى ضمان فوز مرشحين مسيحيين وعلويين.وهذا يفترض – حسب الشريف – دعماً قويّاً وفاعلاً من السياسيين، وإلّا فإنّ “الصورة الحديثة” للمدينة يمكن لها أن تهتزّ، ولا تعود الدرب سالكة أمام الجهات العربية والدولية المانحة التي توفّر الدعم المطلوب للبلدية والمدينة، ولكن ضمن “دفتر شروط” يقوم على الكفاءة والتنوّع:فلماذا لم يُعطَ “المرشح التوافقي” الدعم المطلوب، ما جعله ينسحب، عائدين بالمعركة البلدية إلى نقطة الصفر؟
قد يقول البعض “أنّ السياسيين يخرّبون المجلس البلدي عندما يتدخّلون”، ومن الأفضل ترك المجتمع المدني “يقبع الشوك بيديه”، فهل تجارب المجتمع المدني مشجّعة كي نقبل التجربة من جديد: أليس المجلس الحالي (وهو الأسوأ في تاريخ مدينة طرابلس) نتاج الحراك المدني الذي أوصل خليطاً متنافراً كانت محصّلته مأساوية؟
وثمّة تساؤل أخير: هل صحيح أنّه كان للنائب التغييري الدكتور رامي فنج دور في تخريب “الطبخة البلدية الأخيرة”، فمن أين يستمدّ الدكتور هذا الدور علماً بأنّه قد ابتعد عن التيّار التغييري الذي أوصله إلى المجلس النيابي (رفاقه السابقون يشكّلون لائحة “للفيحاء” برئاسة الناشط سامر دبليز)، وعلماً بأنّه بات جوّالاً بين اللوائح مدّعياً القدرة على جمع الأضداد وصنع العجائب؟
السياسة لا تتعارض بالمطلق مع العمل البلدي إذا ما كان السياسي يريد الخدمة العامة، والأمثلة في المحيطين القريب والبعيد كثيرة، كما أشار إلى ذلك الناشط عربي عكاوي في مقال له على صفحات الفايسبوك، إذ قال ما معناه:الأحزاب في الكورة وبشري والبترون تخوض معارك صريحة، وتسعى لإيصال الأفضل.في زغرتا، لا شيء يمنع أن يخوض ميشال معوض والقوات اللبنانية “معركة بلدية” في مواجهة تحالف المردة والتيار الوطني الحر.السياسة، يا سادة، ليست عيباً.هي فنّ الخدمة العامة، فلماذا نتهرّب منها في طرابلس؟
طرابلس تستحقّ الصراع النظيف كي نصل إلى “الزبد”، وليس الإكتفاء بالحصى والرمال!