
عاشت سوريا أيّاماً دامية مليئة بسفك الدماء، تلتها فترة قصيرة من الهدوء بعد سقوط الطاغية، لكن سرعان ما عادت رياح الفتنة لتَعصف من جديد. يقف دروز سوريا اليوم على خطوط التماس، وسط تقاطعات النفوذ بين دمشق وتل أبيب وأنقرة، في مشهد يغيب عنه الأمان، ويخيّم عليه القلق والتشرذم. لا أفراح تُذكر منذ سقوط الأسد، ولا وحدة في الأفق، وكأن مشروع التقسيم بدأ يتجلّى.
اندلعت الاشتباكات مؤخراً إثر انتشار تسجيل مفبرك نُسب إلى شيخ درزي يُسيء إلى النبي محمد، ما أشعل التوتر في مدينة جرمانا، لتمتد المواجهات بين مجموعات مسلّحة تابعة لوزارة الدفاع السوريّة ومقاتلين دروز إلى مناطق مثل أشرفية صحنايا وأطراف السويداء. ورغم نفي وزارة الداخلية السورية لصحة التسجيل، استمر القتال لأيام، ما عكس عمق التوتر بين دروز سوريا والسلطة الجديدة، لا سيّما بعد رفضهم السير على خطى الأكراد والانخراط في النظام، وتمسّكهم بسلاحهم.
إسرائيل بدورها لم تتأخر في استغلال الوضع، فأطلقت مواقف تدعو إلى “حماية دروز سوريا”، وذهب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى حد تهديد النظام السوري الجديد مباشرة، ما يؤكّد وجود أجندة خارجية في المشهد السوري.
يقول الكاتب السياسي وجدي العريضي في حديث لموقع mtv: “لا شكّ أن إسرائيل تسعى لتقسيم سوريا عبر مشاريع فتنة، وقد تأخّرت الدولة السوريّة في الحسم وفرض الأمن. تاريخ إسرائيل معروف بالإستيطان والعنصرية، وقد سبق أن أجّجت نيران الفتنة في لبنان، وتحديداً خلال حرب الجبل عام 1982 بين الدروز والمسيحيين”.
وفي مسعى للتهدئة، زار الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث أعرب الجانبان عن أسفهما للخسائر البشرية، وأكد جنبلاط على ضرورة تحمّل الدولة السورية لمسؤولياتها في حماية الأمن الوطني. وفي السياق نفسه، ذكرت وكالة الأنباء السورية أن اتفاقاً تم التوصّل إليه مع وجهاء جرمانا لتسليم السلاح الثقيل وزيادة انتشار القوى الأمنية في المدينة.
لكن التصعيد لا يبدو بعيداً، بحسب العريضي، خاصةً في ظل الخطابات المتوترة لبعض رجال الدين والسياسيين، ما يجعل من احتمال توسّع المواجهات إلى السويداء أمراً وارداً. وأضاف: “ثمة استنفار دائم، والحل يحتاج إلى جهود شاملة لا تقتصر على الداخل السوري واللبناني، بل تتطلّب تدخلاً إقليمياً ودولياً، وهناك بالفعل تحرّكات على مستويات عالية من دول خليجية مثل قطر، إلى جانب موقف فرنسي يُدين ما حصل”.
عشر سنوات تفصل بين مجزرتين، إذ تعرّض دروز بلدة قلب لوزة في إدلب لهجوم دموي عام 2015، خلّف عشرات القتلى. واليوم، تقف سوريا عند مفترق خطير: فهل تنجح السلطة الجديدة في حماية مواطنيها؟ أم أن البلاد ذاهبة إلى عاصفة عاتية لا يمكن لأحد السيطرة عليها؟
المصدر:ماري جو متى
خاص موقع Mtv