
تشهد النظرة الدولية إلى الاقتصاد اللبناني تحوّلاً تدريجياً نحو التفاؤل الحذر، في ظل إشارات إيجابية من مؤسسات مالية وتنموية بارزة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و”الإسكوا”، وذلك بعد سنوات من الانكماش والأزمات. هذا التوجه يبقى مشروطاً بمدى التزام الدولة بالإصلاحات البنيوية وتقدّم العملية السياسية بعد الحرب.
نمو متوقّع بعد سنوات من الانكماش
للمرة الأولى منذ عام 2017، توقّع البنك الدولي أن يحقق لبنان نمواً اقتصادياً بنسبة 4.7% خلال العام الحالي، مدفوعاً بإصلاحات جزئية، وتعافي القطاع السياحي، وتحسّن الاستهلاك، وتدفقات إعادة الإعمار، إلى جانب تشكيل حكومة جديدة متعهدة بالإصلاح. ويشكل ذلك فرصة نادرة لوضع البلاد على مسار التعافي الشامل.
بموازاة ذلك، حدّد صندوق النقد حجم الناتج المحلي عند 28.28 مليار دولار نهاية العام الماضي، بعد سلسلة من التراجعات الحادة التي بدأت منذ عام 2019، عندما كان الناتج يقارب 51 مليار دولار. هذه الأرقام باتت معتمدة كمؤشر موثوق في تقييم الوضع الاقتصادي اللبناني، بخلاف تقديرات سابقة متباينة.
تقديرات “الإسكوا” متفائلة بشروط
أما “الإسكوا” فتتوقع نمو الناتج المحلي بنسبة 1.4% في 2024، و2.1% في 2025، شريطة استمرار الاستقرار الأمني والسياسي، مع تراجع ملحوظ في التضخم إلى 10% هذا العام و5% في العام المقبل، بعد أن بلغ 52.5% العام الماضي. كما توقعت انخفاض العجز المالي من 12% إلى 9.2% هذا العام، ثم إلى 7.4% في 2025.
عقبات هيكلية وعدم يقين مستمر
ورغم هذه المؤشرات، تبقى حالة “عدم اليقين” العنوان العريض في تقارير المؤسسات الدولية، بسبب تعقيدات الوضع السياسي، ومشكلات مثل حصرية السلاح، الاقتصاد الموازي، ومكافحة التهرب والأنشطة غير المشروعة، إلى جانب فجوة مالية ضخمة تقدر بـ72 مليار دولار، واحتياجات إعادة إعمار تُقدّر بـ11 مليار دولار.
لذلك، فضّل صندوق النقد عدم إصدار تقديرات لنمو لبنان حتى عام 2030، بسبب “الضبابية الشديدة”. لكنه قدّر الانكماش في 2023 بنحو 7.5%.
تراجع التضخم وفائض محدود في الموازنة
أشار البنك الدولي إلى أن متوسط التضخم السنوي تراجع إلى 45.2% العام الماضي، مقابل 221% في 2023، بفضل استقرار نسبي في سعر الصرف. كما توقّع تحقيق فائض طفيف في الموازنة بنسبة 0.5%، نتيجة تحصيل إيرادات تفوقت على التوقعات، وتحسن ملحوظ في الجباية.
في المقابل، تبقى معدلات العمالة منخفضة، مع توقّع بتراجعها إلى 37.6% هذا العام، ما يعكس عمق التحديات الاجتماعية والاقتصادية